الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ وَأَقَامَ مِنْهَا عَدَمَ وُجُوبِ النَّقْلِ هِيَ قَوْلُهَا: وَمَنْ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ مِنْ وُضُوئِهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَدَلَكَهُمَا فِيهِ بِيَدَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ تَمَامَ وُضُوئِهِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ اهـ.
(قُلْتُ) وَيَقُومُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَة أَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي نَهْرٍ إلَى آخِرِهِ.
وَقَدْ أَقَامَهُ مِنْهَا أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ نَاجِي فِيهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا وَنَصِّ مَا فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمُ عَنْ الَّذِي يَتَوَضَّأ وَيَنْسَى غَسْلَ رِجْلَيْهِ فَيَمُرُّ بِنَهْرٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَيَخُوضُهُ هَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ غَسْلِ رِجْلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا دَلَكَ إحْدَى رِجْلَيْهِ بِالْأُخْرَى أَجْزَأَهُ. ابْنُ الْقَاسِمُ إذَا دَلَكَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَكَانَ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
ابْنُ رُشْدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَسِيَهَا وَفَارَقَ مَحَلَّ وُضُوئِهِ عَلَى أَنَّهُ أَكْمَلَهُ ارْتُفِضَتْ النِّيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَلَزِمَهُ تَجْدِيدُهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَأَبْقَى رِجْلَيْهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا وَغَسَلَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَبْقَاهُمَا ظَنًّا أَنَّهُ أَكْمَلَ وُضُوءَهُ، فَإِنْ أَبْقَاهُمَا قَاصِدًا لِغَسْلِهِمَا فِي النَّهْرِ لَمْ يَحْتَجْ لِتَجْدِيدِ النِّيَّةِ وَأَجْزَأَهُ غَسْلُهُمَا فِي النَّهْرِ دُونَ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ إنْ كَانَ قَرِيبًا، وَلَوْ كَانَ عَلَى النَّهْرِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ أَدْخَلَهُمَا فِيهِ وَدَلَكَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لَمْ يَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ انْتَهَى. وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ تَقَدَّمَ جَمِيعُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَيْهِ لَا يَعْنِي مَا يُعْطِيه ظَاهِرُ اللَّفْظِ مِنْ رَفْعِ الْمَاءِ بِيَدَيْهِ أَوْ بِيَدِ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ بَلْ حُصُولَهُ عَلَى سَطْحِ الْوَجْهِ كَيْفَمَا اتَّفَقَ حَتَّى لَوْ أَلْقَى وَجْهَهُ إلَى مِيزَابٍ أَوْ مَطَرٍ وَابِلٍ وَأَتْبَعَ الدَّلْكَ لَكَفَاهُ وَكَذَا الْمَنْقُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
(فَإِنْ قُلْتُ) لَا يَحْتَاجُ هَذَا إلَى بَيَانٍ لِأَنَّ مِثْلَ مَا ذَكَرْت لَا يَلْتَبِسُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ (قُلْتُ) قَدْ يَلْتَبِسُ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْمَسْحِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ أَنْ يُلَاقِيَ بِرَأْسِهِ مَاءَ الْمَطَرِ ثُمَّ يَمْسَحَهُ بِيَدَيْهِ فَقَدْ يُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلِذَلِكَ اُحْتِيجَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي تَغْلِيطِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ قُصُورٌ يَعْنِي لِأَنَّ الْخِلَافَ مَنْقُولٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَيْضًا جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ مَسْحَ رَأْسِهِ بِمَا نَالَهُ مِنْ رَشٍّ دُونَ يَدَيْهِ مُجْزِئًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافَ، نَقْلِ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَمَنْ لَقِينَاهُ عَدَمَ إجْزَائِهِ اتِّفَاقًا انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ وَفِي بَابِ مَا جَاءَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ ابْنُ هَارُونَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَحَكَى ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِهِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَهُوَ مُنْغَمِسٌ فِي الْمَاءِ وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا غُسْلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ إلَيْهِ الْمَاءَ بَلْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ نَقْلِ الْمَاءِ، وَلَيْسَ فِي اللُّغَةِ مَا يَدْفَعُ أَنْ يُسَمَّى هَذَا غُسْلًا انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ مِنْ صُوَرِ النَّقْلِ فَقَالَ: وَمِنْهَا مَا اُتُّفِقَ فِيهَا عَلَى وُجُوبِ النَّقْلِ وَهِيَ إذَا أَخَذَ الْإِنْسَانُ الْمَاءَ ثُمَّ نَفَضَهُ مِنْ يَدِهِ وَمَرَّ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْعُضْوِ فَلَا يُجْزِئُهُ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَلَيْسَ بِغُسْلٍ انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِنْ أَرْسَلَ الْمُتَوَضِّئُ فِي غَسْلِ وَجْهِهِ الْمَاءَ مِنْ يَدَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى وَجْهِهِ لَا مَاءَ فِيهِمَا إلَّا الْبَلَّةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَكُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ مَاسِحٌ وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا} [المائدة: ٦] وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا فِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِ الْمَسْحَ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِمِثْلِ الْخُفَّيْنِ وَالرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ فَهَذَا الشَّأْنُ فِيهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ أَوْ يُرْسِلَهُ بِالْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ثُمَّ يَمْسَحُ، وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ أَصْبَغَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ عَنْ الشَّيْخِ زَرُّوق أَنَّ نَفْضَ الْيَدِ قَبْلَ إيصَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute