للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إطْلَاقَ هَذَا الْمَحْجُورِ مِنْ الْوِلَايَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَيُعْقَدُ فِي ذَلِكَ: لَمَّا تَبَيَّنَ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ رُشْدُ مَحْجُورِهِ، أَوْ وَلَدِهِ فُلَانٍ الَّذِي فِي وِلَايَتِهِ، وَحُسْنِ نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ، وَضَبْطُهُ لِمَالِهِ أَطْلَقَهُ مِنْ حُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَرَشَّدَهُ لِرُشْدِهِ، وَمَلَّكَهُ أَمْرَ نَفْسِهِ، وَمَالِهِ عَلَى الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ وَالشُّمُولِ وَالِاسْتِغْرَاقِ، وَلَمْ تَبْقَ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، وَقُبِلَ ذَلِكَ مِنْ تَرْشِيدِهِ الْمُرَشَّدَ الْمَذْكُورَ قَبُولًا تَامًّا وَاعْتَرَفَ بِرُشْدِهِ، وَأَنَّهُ بِالْأَحْوَالِ الْمَوْصُوفَةِ شَهِدَ عَلَى أَحْوَالِ الْمُرْشِدِ وَالْمُرَشَّدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِمَا فِيهِ عَنْهُمَا فِي صِحَّةٍ وَجَوَازٍ وَطَوْعٍ مِنْ الْمُرْشِدِ مُطْلَقًا، وَمِنْ الْمُرَشَّدِ مِنْ الْآنِ وَعَرَّفَهُمَا. وَفِي كَذَا، وَإِنْ ضَمِنَ الشُّهُودُ مَعْرِفَةَ رُشْدِ الْمَحْجُورِ كَانَ أَتَمَّ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ الْعَقْدِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَقَوْلُ الْأَبِ، أَوْ الْوَصِيِّ مَقْبُولٌ فِي ذَلِكَ فَإِنْ سَقَطَ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَبَاعَ مَالَهُ وَأَفْسَدَهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ سَفِيهًا قَدْ بَلَغَ إلَى وَقْتِهِمْ هَذَا لَزِمَتْهُ الْوِلَايَةُ، أَوْ إنْ طَلَبَ تَرْشِيدَ نَفْسِهِ كَلَّفَهُ الْقَاضِي إثْبَاتَ رُشْدِهِ قَالَ: فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ أُعْذِرَ لِلْأَبِ وَرَدَّ فِعْلَهُ، وَعَزَلَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ، وَجَعَلَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَضْمَنْ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِمَّا أَتْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاجْتِهَادِهِ، وَالْوَصِيُّ أَوْ الْمُقَدَّمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِدْفَعٌ أَشْهَدْت عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَى خِلَافَ الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّفَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ أُعْذِرَ فِيهِ الْمَشْهُودُ فِيهِ.

فَإِنْ وَافَقَ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ، وَعَجَزَ عَنْ الْمِدْفَعِ فِيهِ مِنْ تَجْرِيحٍ، أَوْ غَيْرِهِ كَانَتْ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالسَّفَهِ أَعْمَلُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: يُنْظَرُ إلَى أَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ وَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ سَفِيهًا هَلْ يُمْضِي أَفْعَالَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِتَرْشِيدِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ التَّرْشِيدِ أَعْدَلَ فَيَكُونُ قَدْ وَافَقَ نَقْلَ قَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَوْ يَرُدُّ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ السَّفَهِ أَعْمَلُ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِخَطَإٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَانْظُرْ أَجْوِبَةَ ابْنِ رُشْدٍ انْتَهَى.

وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي بَابِ الْوَصَايَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَوْصَى بِهِ أَبُوهُ إلَى أُمِّهِ، فَتُوُفِّيَتْ، وَلَمْ تُوصِ بِهِ إلَى أَحَدٍ فَتَزَوَّجَ، وَمَاتَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّ فِي مِيرَاثِ زَوْجَتِهِ وَصَدَاقِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا لَا مِيرَاثَ لَهَا وَلَا صَدَاقَ الثَّانِي لَهَا الْمِيرَاثُ وَالصَّدَاقُ الثَّالِثُ: لَهَا الْمِيرَاثُ فَقَطْ، وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَيُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ نِكَاحُهُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ، أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمْ يَفْسَخْهُ كَانَ لَهَا الصَّدَاقُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا الصَّدَاقُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ نِكَاحُهُ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي رُشْدُهُ فَقَضَى بِتَرْشِيدِهِ فَالنِّكَاحُ مَاضٍ وَلَهَا الصَّدَاقُ وَالْمِيرَاثُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْحُكْمُ نَافِذٌ لَا يُرَدُّ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِلَ السَّفَهِ، وَإِنْ كَانُوا أَعْدَلَ مِنْ الشُّهُودِ الَّذِينَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ إذْ قَدْ فَاتَ مَوْضِعُ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الشُّهُودِ وَبِنُفُوذِ الْحُكْمِ فَإِنَّمَا تُوجِبُ شَهَادَتُهُمْ الْحُكْمَ بِتَسْفِيهِهِ، وَتَكُونُ أَفْعَالُهُ مِنْ يَوْمِ حُكِمَ بِتَرْشِيدِهِ إلَى يَوْمِ حُكِمَ بِتَسْفِيهِهِ جَائِزَةٌ مَاضِيَةٌ انْتَهَى.

ص (وَتَصَرُّفِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِمَا الْعَكْسُ فِي تَصَرُّفِهِ إذَا رَشَدَ بَعْدَهُ وَزِيدَ فِي الْأُنْثَى دُخُولُ زَوْجٍ، وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا) .

ش: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى السَّفِيهِ الْبَالِغِ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ الَّذِي لَا أَبَ لَهُ وَلَا وَصِيَّ وَلَا مُقَدَّمَ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي وَمَا عَزَاهُ لِمَالِكٍ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ سَيَأْتِي ذِكْرُهُمَا فِي كَلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>