للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ لِدَارِهِ بَابًا فِي سِكَّةٍ نَافِذَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ السِّكَّةُ وَاسِعَةً، أَوْ ضَيِّقَةً، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالسِّكَّةُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الزُّقَاقُ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالنَّافِذَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الَّتِي يُخْرَجُ مِنْهَا مِنْ طَرَفَيْهَا وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: نَفَذَتْ عَنْ السِّكَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ مُنْسَدَّةً مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالطَّرِيقُ الْمُنْسَدَّةُ الْأَسْفَلِ كَالْمِلْكِ لِأَرْبَابِ دُورِهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّمَا جَعَلَ الْجَانِبَ الْمُنْسَدَّ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ أَعْلَاهَا فِي الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ تِلْكَ الطَّرِيقِ فَشَبَّهَ أَوَّلَهَا بِالْأَعْلَى وَأَقْصَاهَا بِالْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّهَا كَالْوِعَاءِ لِمَنْ دَخَلَ فِيهَا انْتَهَى.

فَإِذَا كَانَتْ السِّكَّةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا بَابًا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِ السِّكَّةِ إلَّا إذَا كَانَ مُنَكِّبًا عَنْ بَابِ جَارِهِ الْمُقَابِلِ لَهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: إلَّا بَابًا إنْ نُكِّبَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْهَا وَلَيْسَ لَك أَنْ تَفْتَحَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ بَابًا يُقَابِلُ بَابَ جَارِك، أَوْ يُقَارِبُهُ، وَلَا تُحَوِّلُ بَابًا لَك هُنَالِكَ إذَا مَنَعَك؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَفْتَحَ فِيهِ بَابَك لِي فِيهِ مِرْفَقٌ أَفْتَحُ فِيهِ بَابِي وَأَنَا فِي سُتْرَةٍ، وَلَا أَدَعُك تَفْتَحُ قُبَالَةَ بَابِي، أَوْ قُرْبَهُ فَتَتَّخِذُ عَلَيَّ فِيهِ الْمَجَالِسَ وَشِبْهَ هَذَا، فَإِذَا كَانَ هَذَا ضَرَرًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُحْدِثَ عَلَى جَارِك مَا يَضُرُّهُ، وَأَمَّا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ فَلَكَ أَنْ تَفْتَحَ مَا شِئْت، وَتُحَوِّلَ بَابَك حَيْثُ شِئْت مِنْهَا انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُلَقَّبِ بِزُونَانَ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: فَيَتَحَصَّلُ فِي فَتْحِ الْبَابِ وَتَحْوِيلِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِذٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِ جَمِيعِ أَهْلِ الزُّقَاقِ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ زَرْبٍ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الدَّارِ الْكَبِيرَةِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ بِقُرْطُبَةَ، وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ لَهُ فِيمَا لَمْ يُقَابِلْ بَابَ جَارِهِ، وَلَا قَرُبَ مِنْهُ، فَقَطَعَ بِهِ مِرْفَقًا عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ هَهُنَا، وَالثَّالِثُ أَنَّ لَهُ تَحْوِيلَ بَابِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إذَا سَدَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا لَمْ يَكُنْ قَبْلُ بِحَالٍ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِ أَشْهَبَ هَهُنَا وَيَتَحَصَّلُ فِي فَتْحِ الرَّجُلِ بَابًا، أَوْ حَانُوتًا فِي مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ فِي الزُّقَاقِ النَّافِذِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُ أَشْهَبَ هَهُنَا، وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَّا أَنْ يُنَكِّبَ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَرَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ، وَالثَّالِثُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ وَاسِعَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ هَهُنَا، وَالسِّكَّةُ الْوَاسِعَةُ مَا كَانَ فِيهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ فَأَكْثَرُ لِمَا جَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الطَّرِيقُ الْمِيتَاءُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ» وَقَعَ ذَلِكَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَدَّ سَعَةِ الطَّرِيقِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقِ، وَقَالَ فِيهِ: إلَّا بِإِذْنِ جَمِيعِ أَهْلِ الزَّنْقَةِ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ يَسْتَعْمِلُهَا الْمَغَارِبَةُ بِمَعْنَى الزُّقَاقِ وَلَيْسَتْ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الزَّنْقَةُ السِّكَّةُ الضَّيِّقَةُ انْتَهَى.

وَالْقَوْلُ الَّذِي عَزَاهُ لِابْنِ زَرْبٍ فِي السِّكَّةِ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ عَزَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْبُنْيَانِ لِسَحْنُونٍ وَنَصُّهُ: قَالَ فِي كِتَابِ الْبُنْيَانِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لَك فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ أَنْ تَفْتَحَ بَابًا، أَوْ تُقَدِّمَهُ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تَفْتَحْ فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ شَيْئًا بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْجَمَاعَةُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ الْبَابَ فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ السِّكَّةُ وَاسِعَةً، أَوْ ضَيِّقَةً، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقِ وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنَّهُ عَزَا الْقَوْلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ لِابْنِ وَهْبٍ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>