للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ، وَقَالَ قَبْلَهُ: إنَّ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ يُخَالِفُ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ إذْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْمُدَوَّنَةِ سَعَةَ السِّكَّةِ وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ اعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الشَّامِلِ فَقَالَ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا يُمْنَعُ مِنْهَا: وَلَا مِنْ بَابٍ بِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ، وَإِنْ ضَاقَتْ عَنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَثَالِثُهَا إنْ نَكَّبَ عَنْ بَابِ جَارِهِ، وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى.

إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ، وَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَتَأَمَّلْهُ وَأَمَّا الْمُتَيْطِيُّ فَجَعَلَ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مُقَيِّدًا لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: وَأَمَّا فَتْحُ الْأَبْوَابِ فِي الْمَحَاجِّ النَّافِذَةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلًا مُجْمَلًا أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لِمَنْ شَاءَ وَيُؤْمَرُ أَنْ يُنَكِّبَ قَلِيلًا عَنْ مُقَابَلَةِ بَابِ دَارِ جَارِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ السِّكَّةُ وَاسِعَةً جِدًّا حَتَّى لَا يَرَى مِنْ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ إلَّا مَا يَرَى مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ فَلَهُ أَنْ يَفْتَحَهُ كَيْفَ شَاءَ، وَقَالَ قَبْلَهُ مَنْ فَتَحَ بَابًا فِي سِكَّةٍ نَافِذَةٍ فَمَنَعَهُ جَارُهُ وَزَعَمَ أَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى جَارِهِ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الزُّقَاقَ ضَيِّقٌ وَأَنَّ مَنْ فِي أُسْطُوَانِ أَحَدِهِمَا يَنْظُرُ مَنْ فِي أُسْطُوَانِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِغَلْقِ الْبَابِ الْمُحْدَثِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقُ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ فِي الزُّقَاقِ النَّافِذِ، وَلَوْ كَانَ مَنْ فِي أُسْطُوَانِ إحْدَاهُمَا يَنْظُرُ مَنْ فِي أُسْطُوَانِ الْأُخْرَى وَجَوَابُ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَاعَى مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ مِنْ نَوَازِلِهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ بَيْنَهُمَا زُقَاقٌ نَافِذٌ فَأَحْدَثَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِهِ بَابًا، أَوْ حَانُوتَيْنِ يُقَابِلُ ذَلِكَ بَابَ جَارِهِ، وَلَا يَكَادُ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ دَارِهِ، وَلَا يَخْرُجُ إلَّا عَلَى نَظَرٍ مِنْ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ فِي الْحَانُوتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِعَمَلِ صِنَاعَتِهِمْ وَذَلِكَ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لِصَاحِبِ الدَّارِ، وَعِيَالِهِ فَأَجَابَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْت فَيُؤْمَرُ أَنْ يُنَكِّبَ بَابَهُ، وَحَانُوتَيْهِ عَنْ مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا تُرِكَ وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِغَلْقِهَا انْتَهَى.

فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ سَبِيلًا لِتَنْكِيبِ الْبَابِ، وَالْحَانُوتَيْنِ عَنْ بَابِ جَارِهِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَى جَارِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا فَيَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جَارِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ الْبَابَ، وَالْحَانُوتَ قُبَالَةَ بَابِ جَارِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى جَارِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنَهُ التَّنْكِيبُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ، فَتَأَمَّلْهُ وَالْأُسْطُوَانُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ هُوَ الدِّهْلِيزُ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَرَأَيْته فِي الْمُتَيْطِيَّةِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ لُغَةٌ فِيهِ (الثَّانِي) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي السِّكَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ إلَّا بَابًا إنْ نُكِّبَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَابُ الَّذِي يَفْتَحُهُ مُنَكَّبًا عَنْ بَابِ جَارِهِ الَّذِي يُقَابِلُهُ جَازَ فَتْحُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِقُرْبِ بَابِ دَارِ جَارِهِ الْمُلَاصِقِ لَهُ بِحَيْثُ إنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَابِهِ وَيَقْطَعُ ارْتِفَاقَهُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إلَّا بَابًا إنْ نُكِّبَ، وَلَمْ يَضُرَّ بِجَارٍ مُلَاصِقٍ لَوَفَّى بِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَبِمَا فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ.

(الثَّالِثُ) يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْ لَهُ حَائِطٌ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا بَابٌ وَأَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ فِي حَائِطِهِ بَابًا فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ مُنَكَّبًا عَنْ بَابِ جَارِهِ الْمُقَابِلِ وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْ بَابِ جَارِهِ الْمُلَاصِقِ لَهُ لَكِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ فِي الشَّامِلِ بِمَا إذَا كَانَ قَصْدُهُ الِارْتِفَاقَ بِذَلِكَ وَأَمَّا إنْ جَعَلَ ذَلِكَ طَرِيقًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْ بَابِ دَارِهِ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْمُحْدَثِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْآتِيَةِ وَنَصُّ مَا فِي الشَّامِلِ: وَغَيْرُ النَّافِذَةِ كَالْمِلْكِ لِجَمِيعِهِمْ فَبِالْإِذْنِ إلَّا بَابًا إنْ نُكِّبَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَثَالِثًا إنْ سَدَّ بَابَهُ الْأَوَّلَ وَنَكَّبَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا مَنْ فَتَحَ بَابًا آخَرَ بِظَهْرِ دَارِهِ لِيَرْتَفِقَ بِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ طَرِيقًا انْتَهَى.

(الرَّابِعُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ، وَلَا غَيْرُهُ قَدْرَ مَا يُنَكَّبُ الْبَابُ عَنْ بَابِ جَارِهِ فِي السِّكَّةِ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>