كَانَ مُحْدِثًا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ عِيسَى مِنْ رَأْيِهِ يُجْزِيهِ، وَقَالَ الْبَاجِيّ: أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غُسْلِ الشَّاكِّ فَيُجْزِيهِ اتِّفَاقًا وَأَمَّا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فَالْقَوْلَانِ وَنَحْوُهُ لِأَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيّ وَعَبْدِ الْحَقِّ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَعَلَّ سَمَاعَ عِيسَى فِي الْوَهْمِ لَا الشَّكِّ، وَالظَّنُّ بَاقٍ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي.
وَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: مَنْ شَكَّ هَلْ أَجْنَبَ أَمْ لَا؛ اغْتَسَلَ وَيَخْتَلِف هَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ اسْتِحْبَابٌ فَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَإِنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا أَجْزَأَهُ غُسْلُهُ ذَلِكَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا فَتَوَضَّأَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ شَكَّ فِي الظُّهْرِ فَصَلَّاهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا فَإِنَّ صَلَاتَهُ تِلْكَ تُجْزِيهِ، وَإِنْ قَالَ: أَتَخَوَّفُ أَنْ أَكُونَ أَجْنَبْتُ وَلَيْسَ بِشَكٍّ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَنَسِيتُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ فَإِنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا اغْتَسَلَ وَلَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ الْأَوَّلُ انْتَهَى. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرِّوَايَةَ إنْ كَانَتْ فِي الشَّكِّ فَهِيَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِ طُهْرِ الشَّاكِّ وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْوَهْمِ وَالتَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ انْتَهَى. كَلَامُهُ.
(قُلْتُ) يَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ غَازِيٍّ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ سَقْطٌ وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَلِذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: شَكُّ الْجَنَابَةِ كَالْحَدَثِ وَتَجْوِيزُ جَنَابَتِهِ دُونَ شَكٍّ لَغْوٌ لَوْ اغْتَسَلَ لَهُ ثُمَّ تَيَقَّنَ لَمْ يُجْزِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ أَوَّلًا هُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ وَقُلْنَا لَا تَجِبُ فَتَوَضَّأَ أَوْ تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا بَنَيْنَا عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الشَّكَّ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَتَوَضَّأَ أَوْ تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْصِدْ بِوُضُوئِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا قَصَدَ الْفَضِيلَةَ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ رَفْعَ الْحَدَثِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ: إنْ جَزَمَ بِبَقَاءِ الطَّهَارَةِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا اتِّفَاقًا فَإِنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُجْزِئُهُ عِنْدَ عِيسَى وَإِنْ تَرَجَّحَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ لِلِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ فَيُجْزِئُهُ عَلَى قَوْلِ عِيسَى، وَفِي إجْزَائِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَظَرٌ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَإِنْ شَكَّ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ وُجُودُ الْحَدَثِ وَلَا نَفْيُهُ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ فَيُجْزِئُهُ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ أَمْ لَا، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ فَتَوَضَّأَ لَهُ فَقَوْلَانِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا.
(قُلْتُ) قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا اتِّفَاقًا أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّجْدِيدُ إذَا صَلَّى بِهِ.
وَقَوْلُهُ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا عَجِيبٌ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ نُصُوصِهِمْ عَدَمُ الْوُجُوبِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ كَانَ شَكُّهُ غَيْرَ مُقْتَضٍ لِلْوُضُوءِ كَالتَّرَدُّدِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى سَبَبٍ مَعَ تَقَدُّمِ يَقِينِ الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْحَدَثِ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ قَاصِدًا أَنَّهُ كَانَ خَرَجَ مِنْهُ حَدَثٌ فَهَذَا الْوُضُوءُ لَهُ لَا يُجْزِئُهُ وُضُوءُهُ لِلتَّرَدُّدِ الْحَاصِلِ فِي النِّيَّةِ وَإِنَّمَا يُجْزِئُ وُضُوءُ الشَّاكِّ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ وُضُوءَهُ قَدْ بَطَلَ بِالشَّكِّ وَأَنَّهُ صَارَ مُحْدِثًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَيَنْوِي حِينَئِذٍ رَفْعَ الْحَدَثِ جَزْمًا فَهَذَا يُجْزِئُهُ وُضُوءُهُ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ أَمْ لَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَهَذَا الْوُضُوءُ لِذَلِكَ الْحَدَثِ فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ أَمْ لَا فَإِنْ صَلَّى بِهِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ.
هَذَا إذَا كَانَ قَدْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا وَهْمٌ وَتَجْوِيزٌ فَيُجْزِئُهُ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ وَإِنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَقَصَدَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَحْدَثَ فَهَذَا الْوُضُوءُ لَهُ ثُمَّ صَلَّى بِذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمَ حَدَثِهِ فَيُجْزِئُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ سَلَّمَ عَلَى الشَّكِّ ثُمَّ ظَهَرَ الْكَمَالُ وَنَظَائِرِهَا، وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute