أَنْ يُرِيدَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَتَعْيِينٍ وَلَمْ يَنْقُلْهُ الْبَرَاذِعِيُّ عَلَى هَذَا وَإِنَّمَا قَالَ: أَوْ لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ، وَهَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ إذَا نَوَى بِوُضُوئِهِ التَّطْهِيرَ وَلَمْ يَرْتَبِطْ قَصْدُهُ بِصَلَاةٍ وَلَا بِذِكْرِ حَدَثٍ.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: يُجْزِئُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَقَعُ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَعَلَى إزَالَةِ النَّجَسِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينٍ، وَذَكَرَ الْبَاجِيّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ يَعْنِي ابْنَ شَعْبَانَ فِيمَنْ اغْتَسَلَ يَنْوِي التَّطْهِيرَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَنَابَةَ فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: لَا يُجْزِيهِ، وَقَالَ مَرَّةً: يُجْزِيهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَيَتَخَرَّجُ فِي الْوُضُوءِ مِثْلُهُ فَإِنْ فَرَّقَ بِأَنَّ فِي الْوُضُوءِ نِيَّةً تَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَهِيَ غَسْلُ أَعْضَائِهِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ قُلْنَا: وَكَذَلِكَ فِي الْغُسْلِ قَرَائِنُ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَتَقْدِمَةُ الْوُضُوءِ وَتَخْلِيلُ أُصُولِ الشَّعْرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ إثْرَ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَنَصَّهُ، الْمَازِرِيُّ: نِيَّةُ التَّطْهِيرِ الْأَعَمِّ مِنْ الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ لَغْوٌ. الْبَاجِيُّ: فِي إجْزَاءِ نِيَّةِ التَّطْهِيرِ لَا الْجَنَابَةِ رِوَايَتَا ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ اللَّخْمِيُّ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَوَضَّأَ يُرِيدُ الطُّهْرَ لَا الصَّلَاةَ أَجْزَأَهُ انْتَهَى. وَفِيهَا مَنْ تَوَضَّأَ لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ أَجْزَأَهُ انْتَهَى.
(قُلْتُ) فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمَازِرِيِّ وَالْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُتَطَهِّرَ قَصَدَ الطُّهْرَ الْأَعَمَّ وَتَعَلُّقَ قَصْدِهِ بِالطُّهْرِ يُفِيدُ كَوْنَهُ أَعَمَّ مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَمَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْبَاجِيُّ أَنَّ الْمُتَطَهِّرَ قَصَدَ الطَّهَارَةَ وَلَمْ يَرْتَبِطْ قَصْدُهُ بِكَوْنِهَا مِنْ حَدَثٍ فَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَاز وَالْبَاجِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ فِعْلِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الطَّهَارَةَ مِنْ الْحَدَثِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَانْظُرْ تَحْرِيرَ الشَّامِلِ
ص (أَوْ اسْتِبَاحَةَ مَا نُدِبَتْ لَهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ فِعْلٍ نُدِبَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ وَلَا يَسْتَبِيحُ بِذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا مَنَعَهُ الْحَدَثُ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي قَصَدَ إلَيْهِ يَصِحُّ فِعْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ فَلَمْ يَتَضَمَّنْ الْقَصْدُ إلَيْهِ الْقَصْدَ بِرَفْعِ الْحَدَثِ كَمَا تَضَمَّنَهُ الْقَصْدُ إلَى مَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَاعِدَةُ هَذَا أَنَّ مَنْ نَوَى مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِطَهَارَةٍ كَالصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافِ فَيَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِذَلِكَ الطُّهْرِ غَيْرَهُ، وَمَنْ نَوَى شَيْئًا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ كَالنَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا وَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ غَيْرَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: يَسْتَبِيحُ لِأَنَّهُ نَوَى أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ فَنِيَّتُهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُ انْتَهَى بِلَفْظِهِ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْوُضُوءَ لِلنَّوْمِ أَوْ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا أَوْ لِتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَفَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابٌ مِنْ فِعْلِهَا عَلَى طَهَارَةٍ، وَعِنْدِي فِي ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَازِرِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ لَكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ قَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَى طَهَارَةٍ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْوُضُوءِ رَفْعُ الْحَدَثِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ انْتَهَى.
(الثَّانِي) لَا يُقَالُ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اسْتِبَاحَةُ مَا نُدِبَتْ لَهُ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبَاحَةَ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَمَا نُدِبَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ لَمْ يَكُنْ الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (أَوْ قَالَ إنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَلَهُ)
ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَطَهَّرَ وَقَالَ: إنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَهَذَا الطُّهْرُ لِذَلِكَ الْحَدَثِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute