للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِنْشَاقُ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّنَشُّقِ وَهُوَ الشَّمُّ يَقُولُ اسْتَنْشَقْتُ الشَّيْءَ إذَا شَمَمْتُهُ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ جَذْبُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ الْمَعْرُوفُ. وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُمَا فَضِيلَةٌ انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَرَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ

ص (وَبَالَغَ مُفْطِرٌ)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يُبَالِغُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إذَا كَانَ غَيْرَ صَائِمٍ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: يُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْمُبَالَغَةُ بِرَدِّ الْمَاءِ إلَى الْغَلْصَمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ خَوْفًا مِمَّا يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ مِنْهُ، فَإِنْ وَقَعَ وَسَبَقَهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ تَعَمَّدَ كَفَّرَ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ بَلْ هِيَ الْأَصْلُ لِحَدِيثِ «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» وَحُكْمُ الْمُبَالَغَةِ فِي الصَّوْمِ فِيهِمَا الْكَرَاهَةُ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي أَقَاصِي الْفَمِ وَلَا يَجْعَلُهُ وَجُورًا، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ اجْتِذَابُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إلَى أَقْصَى الْأَنْفِ وَلَا يَجْعَلُهُ سَعُوطًا انْتَهَى.

ص (وَفِعْلُهُمَا بِسِتٍّ أَفْضَلُ وَجَازَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِغَرْفَةٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ بِسِتِّ غَرَفَاتٍ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ فِعْلَهُمَا بِسِتٍّ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ الْأَفْضَلُ، وَحَكَى الْبَاجِيّ فِي ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَأْتِيَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ فِي كُلِّ غَرْفَةٍ مَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ.

(قُلْتُ) وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَجَعَلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ مِنْ الْجَائِزِ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، قَالَ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَأْخُذَ غَرْفَةً يُمَضْمِضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ، ثُمَّ يَأْخُذُ أُخْرَى يُمَضْمِضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ، ثُمَّ غَرْفَةً ثَالِثَةً يُمَضْمِضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ شَاءَ مَضْمَضَ ثَلَاثًا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ اسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ. الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ وَاتِّبَاعُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَوْلَى انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ فَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي كَوْنِ الْأَوْلَى فِعْلَهُمَا مِنْ غَرْفَةٍ ثَلَاثًا أَوْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ: قَوْلَا أَصْحَابِنَا فِي فَهْمِ قَوْلِ مَالِكٍ ابْنُ رُشْدٍ الْأَوَّلُ أَوْلَى انْتَهَى.

(الثَّانِي) إذَا قُلْنَا الْأَكْمَلُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ بِسِتِّ غَرَفَاتٍ فَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِثَلَاثٍ عَلَى الْوَلَاءِ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ كَذَلِكَ انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْوَجْهَ الثَّانِيَ فِيمَا إذَا أَتَى بِهِمَا بِسِتِّ غَرَفَاتٍ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ. قَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا ذَكَرَ الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مَا نَصُّهُ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَضْمَضَةِ ثَلَاثًا نَسَقًا مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ الِاسْتِنْثَارِ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقِ وَكَلَامِ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ الْآتِي فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ جَوَازُ مَا ذَكَرَهُ الْبِسَاطِيُّ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا جَمَعَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ قَالَ: وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِهَا أَوَّلًا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَإِلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَجَازَا بِغَرْفَةٍ. قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْقَيْسِيُّ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ لَهُ أَجْمَعُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَوْ إحْدَاهُمَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُمَضْمِضَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>