للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّرْتِيبُ بَيْنَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْوَجْهِ؛ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ إنَّمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا لَا بَيْنَ الذِّرَاعَيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ لِحُصُولِ ذَلِكَ أَوَّلًا، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْجَوَابَ لِبَعْضِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ. قَالَ: وَرَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقُرْبِ وَذَكَرَ الِاعْتِرَاضَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَلَمْ يَعْزُهُ.

(قُلْتُ) قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِإِعَادَةِ الْمُنَكَّسِ وَمَا بَعْدَهُ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ لِيَأْتِيَ بِالْوُضُوءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْمُوَالَاةِ وَالتَّرْتِيبِ، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ، وَمَعَ الْبُعْدِ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْخِلَافِ فِيهِ لِحُصُولِ الْخَلَلِ فِي الْمُوَالَاةِ وَالتَّرْتِيبِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(السَّادِسُ) اسْتَشْكَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَيْضًا قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ وَمَا بَعْدَهُ وَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ مِنْ أَوَّلِهِ قَدْ حَصَلَ وُضُوءُهُ مُفَرَّقًا، وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: أَنَّ مَنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ نَاسِيًا وَمُتَعَمِّدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَيُجَابُ بِحُصُولِ الْمُوَالَاةِ أَوَّلًا انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ.

(السَّابِعُ) إذَا قُلْنَا: إنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ فَنَكَّسَ وُضُوءَهُ فَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ أَمْ لَا؟

ص (وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أَتَى بِهِ وَبِالصَّلَاةِ وَسُنَّةٍ فَعَلَهَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ)

ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ فَرْضًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا لَهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِذَلِكَ الْفَرْضِ الَّذِي نَسِيَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَيْضًا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الَّذِي نَسِيَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمُوَالَاةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِيُنَبِّهَ عَلَى حُكْمِ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً وَقَوْلُهُ: أَتَى بِهِ يُرِيدُ وَبِمَا بَعْدَهُ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُعْدِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْكِيسِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُنَكَّسِ وَالْمَنْسِيِّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ سَوَاءٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُوَالَاةِ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا حُكْمُ مَا إذَا أَخَّرَهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا لَهَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فَقَطْ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا بِالْقُرْبِ أَوْ بِالْبُعْدِ وَإِنْ كَانَ صَلَّى بِذَلِكَ لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا حُكْمُ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً لَمْ يُفْعَلْ فِي مَوْضِعِهَا فِعْلٌ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَحَقِيقَةُ مَا يُعَادُ مِنْ السُّنَنِ الْمَتْرُوكَةِ فِي الْوُضُوءِ وَمَا لَا يُعَادُ أَنَّ كُلَّ سُنَّةٍ إذَا تُرِكَتْ وَلَمْ يُؤْتَ فِي مَحَلِّهَا بِعِوَضٍ فَإِنَّهَا تُعَادُ، وَهَذَا كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَالتَّرْتِيبِ وَكُلِّ سُنَّةٍ عُوِّضَتْ فِي مَحَلِّهَا كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ عَائِدًا مِنْ الْمُقَدَّمِ إلَى الْمُؤَخَّرِ فَلَا تُعَادُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا قَدْ حَصَلَ فِيهِ الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: لَا يُجْزِئُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَفْظُهُ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: كُلُّ سُنَّةٍ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يُعِدْ مَوْضِعَهَا مَنْ فَعَلَ فَإِنَّهَا إذَا تُرِكَتْ لَا تُعَادُ كَمَنْ تَرَكَ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ، وَالِاسْتِنْثَارَ وَرَدَّ الْيَدَيْنِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ وَقَالَ بَعْدَهُ قُلْتُ يُرَدُّ بِعُمُومِ نَقْلِ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إعَادَةُ مَا تُرِكَ مِنْ مَسْنُونِهِ وَإِنْ سَلِمَ فِي الْيَدَيْنِ فَلِاسْتِحَالَةِ تَلَافِيهِ لِتَقْيِيدِهِ بِالْقَبْلِيَّةِ وَتَلَافِيهَا مُسْتَحِيلٌ أَوْ مُوجِبٌ إعَادَةَ الْوُضُوءِ، فَتَصِيرُ السُّنَّةُ وَاجِبَةً انْتَهَى.

(قُلْتُ) قَدْ سَلِمَ مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ إذَا كَانَ لَا يُعِيدُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا رَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالِاسْتِنْثَارُ وَهُمَا أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ إعَادَتَهُمَا تَسْتَلْزِمُ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَوْ مَسْحِهِ مِنْ غَيْرِ بَلَلٍ فِي الْيَدِ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِنْثَارُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْإِعَادَةُ إلَّا بِإِعَادَةِ الِاسْتِنْشَاقِ، فَالصَّوَابُ تَقْيِيدُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ بِمَا عَدَا الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: مَنْ سَهَا عَنْ رَدِّ يَدَيْهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَخْذِ الْمَاءِ لِرِجْلَيْهِ فَلْيُعِدْ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ وَإِنْ بَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>