للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ شَاسٍ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُعِيدُ مَعَ الْعَمْدِ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا.

(وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالنَّاسِي فَلَا يُعِيدُ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ السُّنَنِ مُتَعَمِّدًا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: إذَا تَرَكَ السُّنَّةَ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ فَفِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ وَكَذَا هُنَا وَالْخِلَافُ هُنَا أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ سُنَنَ الصَّلَاةِ أَقْوَى وَالْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا يُذَمُّ تَارِكُهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إذَا قُلْنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْوُضُوءِ أَخَّرَ مَا قَدَّمَ ثُمَّ غَسَلَ مَا بَعْدَهُ نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبَاعَدَ وَجَفَّ وَضُوءُهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِلْوُضُوءِ وَلَا لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا أَدْرِي مَا وُجُوبُهُ انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ النِّسْيَانِ.

(قُلْتُ) وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ أَنَّهُ عَزَا لِلْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ اسْتِحْبَابًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) تَقَدَّمَ أَنَّ إعَادَةَ مَا بَعْدَ الْمُنَكَّسِ فِي الْقُرْبِ مَسْنُونَةٌ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ التَّرْتِيبِ خِلَافًا لِابْنِ نَاجِي وَالْجُزُولِيِّ وَالشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

(الثَّالِثُ) جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْجَفَافَ حَدًّا لِلْبُعْدِ فِي الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُوَالَاةِ أَنَّ التَّفْرِيقَ عَمْدًا لَا يُجَدَّدُ بِالْجَفَافِ بَلْ دُونَ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُنَا كَذَلِكَ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ.

(الرَّابِعُ) الْمُنَكَّسُ هُوَ الْمُقَدَّمُ عَنْ مَوْضِعِهِ الْمَشْرُوعِ لَهُ، فَلَوْ بَدَأَ فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ مَسَحَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُؤَخِّرُ مَا قَدَّمَهُ وَهُوَ غَسْلُ ذِرَاعَيْهِ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، فَإِنْ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أَعَادَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ رَأْسَهُ فَقَطْ، وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ يُعِيدُ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، فَلَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَبْلَ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ فَيَتَّفِقُ ابْنُ الْقَاسِمُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ مَسْحَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، فَلَوْ بَدَأَ فِي الْإِعَادَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ إنَّمَا كَانَتْ لِوُقُوعِ ذَلِكَ قَبْلَ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ، فَإِذَا أَعَادَهُ فَقَدْ وَقَعَ بَعْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ وَبَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الطَّهَارَةِ الْأُولَى وَيُعِيدُ الْآنَ مَسْحَ رَأْسِهِ لِيَقَعَ مَسْحُ رَأْسِهِ بَعْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ، وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ أَعَادَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَلَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ فَيُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ مِنْ هَذَا صُوَرًا كَثِيرَةً مَرْجِعُهَا إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

(الْخَامِسُ) اسْتَشْكَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالتُّونُسِيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ بِمَا يَأْتِي مِنْ التَّنْكِيسِ كَمَا تَقَدَّمَ فَمَنْ بَدَأَ بِغَسْلِ ذِرَاعَيْهِ أَوْ بِمَسْحِ رَأْسِهِ قَبْلَ غَسْلِ وَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَا قَدَّمَهُ فَقَطْ وَهُوَ غَسْلُ الذِّرَاعَيْنِ أَوْ مَسْحُ الرَّأْسِ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ غَسْلُ ذِرَاعَيْهِ بَعْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ وَغَسْلِ رِجْلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَوَقَعَ مَسْحُ رَأْسِهِ بَعْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَالْجَارِي عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَفْرِقَةِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي تَنْكِيسِهِ نَاسِيًا إذَا فَرَّقَ وُضُوءَهُ. قَالَ: وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ فَوَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَا نَسِيَهُ فَذَكَرَهُ بَعْدَ الْبُعْدِ فَيَفْعَلُهُ وَحْدَهُ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا إذَا نَكَّسَ وُضُوءَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظِهِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ كَالْمَنْسِيِّ لَلَزِمَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ فِي الْعَمْدِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) قَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّسَ مُشَبَّهٌ بِالْمَنْسِيِّ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَتَأَمَّلْهُ. وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ جَوَابًا ثَانِيًا عَنْ الِاسْتِشْكَالِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ إعَادَةَ الْمُقَدَّمِ إنَّمَا هِيَ لِحُصُولِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قُدِّمَ عَلَيْهِ بِإِعَادَةِ الذِّرَاعَيْنِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إنَّمَا هِيَ لِيَحْصُلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>