للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فَرَائِضَهُ مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرَائِضِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ وَقِيلَ: وَاجِبٌ حَكَاهُ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ أَبُو مُصْعَبٍ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ.

وَقِيلَ: وَاجِبٌ مَعَ الذِّكْرِ وَعَزَاهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ وَعَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يَعْزُهُ بَلْ قَالَ: تَأَوَّلَ اللَّخْمِيُّ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِيهَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ وَمَا أَدْرِي مَا وُجُوبُهُ. قَالَ سَنَدٌ هُوَ تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ. قَالَ: وَالْهَاءُ فِي وُجُوبِهِ عَائِدٌ عَلَى التَّرْتِيبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى إعَادَةِ الْوُضُوءِ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى الْأَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَتَحَصَّلَ فِي حُكْمِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ.

قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَدَلَ عَنْ أَحْرُفِ التَّرْتِيبِ وَهِيَ الْفَاءُ وَثُمَّ إلَى الْوَاوِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي إلَّا مُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا أُبَالِي إذَا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ بِالْبُدَاءَةِ بِالرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ خَرَّجَ الْأَثَرَيْنِ الدَّارَقُطْنِيّ مَعَ صُحْبَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طُولَ عُمْرِهِ، فَلَوْلَا اطِّلَاعُهُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ ابْنِ عَبَّاسٍ انْتَهَى. وَحَيْثُ انْتَفَى الْوُجُوبُ قُلْنَا: إنَّهُ سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَوَجَّهَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَتَّبَ الْأَعْضَاءَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى» وَبِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ ذَاتُ أَجْزَاءٍ يُكْرَهُ الْكَلَامُ فِيهَا، فَكَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا فِيهَا كَالصَّلَاةِ «وَبِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مُرَتِّبًا» وَفِعْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ كَذَلِكَ، «وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» ثُمَّ قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مُنَاسَبَاتٌ تَقْتَضِي أَنَّ التَّرْتِيبَ مَطْلُوبٌ وَنَحْنُ نُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَعَ الذِّكْرِ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَرْجِعُ إلَى النَّهْيِ عَنْ التَّنْكِيسِ وَالنَّهْيُ يَفْتَرِقُ عَمْدُهُ مِنْ نِسْيَانِهِ انْتَهَى. وَوَجْهُ الِاسْتِحْبَابِ أَنَّهُ حَيْثُ انْتَفَى الْوُجُوبُ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْهَيْئَاتِ كَالِابْتِدَاءِ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَبِأَوَّلِ الْعُضْوِ وَبِالْيُمْنَى قَبْلَ الْيَسَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (فَيُعَادُ الْمُنَكَّسُ وَحْدَهُ إنْ بَعُدَ بِجَفَافٍ وَإِلَّا مَعَ تَابِعِهِ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قُلْنَا: إنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ فَمَنْ نَكَّسَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ وَحْدَهُ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ إنْ بَعُدَ عَنْ مَحَلِّ الْمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ أَعَادَ الْوُضُوءَ الْمُنَكَّسَ وَمَا بَعْدَهُ.

هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ وَمَا بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إعَادَةِ الْمُنَكَّسِ وَمَا بَعْدَهُ مَعَ الْقُرْبِ هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ، قَالَ: وَلَفْظُهُ إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ لِيَسَارَةِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ بَشِيرٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) مَنْ نَكَّسَ بَعْضَ عُضْوٍ فَحُكْمُ ذَلِكَ الْبَعْضِ حُكْمُ الْمُنَكَّسِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِيمَنْ غَسَلَ يَدَيْهِ أَوَّلَ وُضُوئِهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ غَسْلَ كَفَّيْهِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ: إنْ كَانَ قَصَدَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ أَوَّلًا السُّنَّةَ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلْيُعِدْ مَا صَلَّى بِذَلِكَ، فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْفَرْضَ فَتُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ. قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَنْ قَالَ يُجْزِئُهُ انْتَهَى. كَأَنَّهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ أَوَّلًا: لَا يُجْزِئُهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهِ أَوَّلًا السُّنَّةَ أَمْ لَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا حُكْمُ مَنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ نَاسِيًا فَأَمَّا مَنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ عَامِدًا فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهِ قَوْلَيْنِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>