للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبَدًا مِنْ تَرْكِ السُّنَّةِ عَمْدًا، قَالَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يُعِيدُ النَّاسِي اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ هُوَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ فَمَنْ تَرَكَهُمَا لَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُ وَلَا صَلَاتُهُ إنْ كَانَ نَاسِيًا، فَإِنْ تَرَكَهُمَا مُتَعَمِّدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ السُّنَنِ عَمْدًا، وَلَا خِلَافَ هَاهُنَا أَنَّهُ يُعِيدُ لَا الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ يَلْزَمُ إذَا قِيلَ: فِي سُنَّةٍ تَجِبُ الْإِعَادَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ أَنْ يَلْزَمَ ذَلِكَ فِي كُلِّ سُنَّةٍ؛ لِأَنَّ السُّنَنَ مُتَبَايِنَةُ الرُّتَبِ فِي التَّأْكِيدِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ.

وَكَلَامُ ابْنِ رَاشِدٍ فِيمَنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ مُتَعَمِّدًا وَتَصْحِيحُهُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ إعَادَةِ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ عَامِدًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا: وَمَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَمَسَحَ دَاخِلَ أُذُنَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْجَنَابَةِ حَتَّى صَلَّى أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَأَعَادَ مَا تَرَكَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَقَالَ سَنَدٌ: إنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ اتِّفَاقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَعَلَهُ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ وَأَمَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَأَمَّا مَنْ تَرَكَهُمَا عَامِدًا وَصَلَّى بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فَفِي صَلَاتِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى الْمَذْكُورِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: يُعِيدُ أَبَدًا وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَضَعَّفَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ مُخَرَّجًا مِنْ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ تَارِكِ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قُلْتُ يُرَدُّ تَخْرِيجُهُ بِأَنَّ سُنَّةَ الصَّلَاةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ وَالْوُضُوءُ وَسِيلَةٌ انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَفِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ رَاشِدٍ إشَارَةٌ إلَى هَذَا وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَيْسَ رَاجِعًا إلَى تَرْكِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ السَّهْوِ أَنَّهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ بِذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ؟ أَمَّا السُّنَنُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهَا كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَرَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ فَلَا فَائِدَةَ لِلْإِعَادَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهَا، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّنْكِيسِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَلَا الْوُضُوءَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَنَصُّهُ: وَأَمَّا دَاخِلُ الْأُذُنَيْنِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ فَمَنْ تَرَكَ مَسْحَهُمَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَيُعِيدُهُمَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَأَمَّا خَارِجُ الْأُذُنَيْنِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فَرْضٌ، وَالثَّانِي أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُمَا فَرْضٌ فَإِنْ تُرِكَتَا فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْسُوحَتَانِ فِي الرَّأْسِ وَالْمَسْحُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِيَسَارَتِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ الْقِيَاسُ الْإِعَادَةُ وَيُجَدِّدُ لَهُمَا الْمَاءَ فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فَلَا يُعِيدُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلٌ أَنَّهُ يُجَدِّدُ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>