يَجِبُ مَسْحُهُمَا فَتَرَكَهُمَا سَهْوًا حَتَّى صَلَّى فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ ذَلِكَ فَقِيلَ: اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: لَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِمَا خِلَافَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ وَالثَّانِي وُجُوبُ مَسْحِهِمَا لَمْ يَرَ مَالِكٌ الْإِعَادَةَ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الِاسْتِحْسَانِ وَيَخْرُجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ؛ لِأَنَّ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ عِنْدَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَإِنْ تَرَكَ ثُلُثَ رَأْسِهِ عِنْدَهُ أَجْزَأَهُ فَكَيْفَ بِمَنْ تَرَكَ مَسْحَ أُذُنَيْهِ؟ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ عَمْدًا اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ فَتَعْلِيلُ الْأَبْهَرِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ تَرَكَهُمَا عَمْدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ، وَحَمَلُوا قَوْلَ مَالِكٍ عَلَى السَّهْوِ اسْتِحْسَانًا انْتَهَى. وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ بَعْضَ هَذَا وَصَرَّحَ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ بِأَنَّ مَنْ نَسِيَ مَسْحَ أُذُنَيْهِ أَوْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا قَالَ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ نَسِيَهُمَا وَهُمَا عِنْدَهُ مِنْ الرَّأْسِ وَمَسْحُ جَمِيعِهِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّجْدِيدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُجَدِّدُ لَهُمَا مَاءً وَيُدْخِلُ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُمَا، فَمَنْ مَسَحَهُمَا مَعَ رَأْسِهِ أَوْ تَرَكَهُمَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ، إلَّا أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالْمَسْحِ لِمَا يَسْتَقْبِلُ وَنَقْصِدُ فِي الْعَمْدِ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ لَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ سُنَنِ الْوُضُوءِ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْفَرِيضَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ إذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي لَا يُؤْمَرُ بِفِعْلِهَا إذَا تَرَكَهَا وَلَا بِالْإِعَادَةِ، وَالثَّالِثُ يُعَادُ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَكَلَامُ سَنَدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ الْخَامِس: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا يُرِيدُ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ غَسَلَهُ فَلْيَغْسِلْ مَا شَكَّ فِيهِ انْتَهَى. وَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ مَنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ وُضُوئِهِ، وَقَوْلُهُ: بَعْضَ وُضُوئِهِ شَامِلٌ لِلسُّنَنِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَإِنْ ذَكَرَ مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا فَإِنْ كَانَ مُسْتَنْكِحًا بَنَى عَلَى الْخَاطِرِ السَّابِقِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَنْكِحِ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ: يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرِهِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّهُ يَطْرَحُ الشَّكَّ وَيُلْهِي عَنْهُ، قَالَ فِي الزَّاهِي: وَمَنْ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ مَسْحَ رَأْسِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَكْثُرُ عَلَيْهِ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكِحٍ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ صَلَّى انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ أَيْ شَكَّ وَأَمَّا لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَرَكَهُ وَذَكَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَمْسَحُهُ وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَنْكِحًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَنْكِحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَفَضَائِلُهُ مَوْضِعٌ طَاهِرٌ)
ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ شَرَعَ يَذْكُرُ الْفَضَائِلَ وَهِيَ الْمُسْتَحَبَّاتُ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ فِيهِ طَاهِرًا، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأ فِي مَوْضِعِ الْخَلَاءِ زَادَ ابْنُ يُونُسَ لَمَّا ذَكَرَ أَدِلَّةَ الْفَضَائِلِ فَقَالَ: لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ الْوَسْوَاسِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْهُ وَعَدَّ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْفَضَائِلِ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّبِيبِيُّ فِي مُسْتَحَبَّاتِ الْوُضُوءِ الْمَوْضِعَ الطَّاهِرَ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَعَدَّ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ فِي مُسْتَحَبَّاتِ الْوُضُوءِ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ فِي الْخَلَاءِ وَلَا فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ لَمَّا عَدَّ الْفَضَائِلَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَأَمَّا وَضْعُ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَمِينِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِدَرَجَةِ الْفَضَائِلِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ مُجَاوَرَةُ الْوُضُوءِ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا تُعَدُّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute