مَا يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ فَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْهُ بِدْعَةً إلَّا مِنْ حَيْثُ صُورَتِهِ، ثُمَّ الْبِدْعَةُ مُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ بِهَذِهِ حَدَّ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُعَارِضْ وَاجِبًا وَلَا رَفَعَتْ حُكْمًا أَصْلِيًّا وَقَدْ نَصَّ فِي النَّوَادِرِ عَلَى الْكَرَاهَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: رُوِّينَا عَنْ النَّوَوِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّرَفُ فِي الطَّهَارَةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الرِّسَالَةِ، وَالسَّرَفُ فِيهِ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُوَسْوِسِ، وَأَمَّا الْمُوَسْوِسُ فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَيُغْتَفَرُ فِي حَقِّهِ لِمَا اُبْتُلِيَ بِهِ انْتَهَى. وَلَفْظُ النَّوَادِرِ: وَالْقَصْدُ فِي الْمَاءِ مُسْتَحَبٌّ وَالسَّرَفُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهَا الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا فِي الْعَارِضَةِ بِأَنَّ السَّرَفَ مَكْرُوهٌ، وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّبِيبِيُّ فِي مَكْرُوهَاتِ الْوُضُوءِ الْإِكْثَارَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا إنْ عَسِرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا. عَنْ ابْنِ نَاجِي أَنَّهُ قَالَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ سَنَدٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَفْعُ غَسْلِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ وَقَدْ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُدٍّ: اُنْظُرْ هَلْ هَذَا حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّةً أَوْ حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ أَوْ حِين تَوَضَّأَ ثَلَاثًا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ قَوْلُهُ: تَوَضَّأَ بِمُدٍّ يَعْنِي بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَطَهَّرَ بِصَاعٍ: قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَذَلِكَ بَعْدَ إزَالَةِ الْأَذَى انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَسْوَسَةُ بِدْعَةٌ أَصْلُهَا جَهْلٌ بِالسُّنَّةِ أَوْ خَبَالٌ فِي الْعَقْلِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ: لَا تَعْتَرِي الْوَسْوَسَةُ إلَّا صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ مِنْ التَّحَفُّظ فِي الدِّينِ وَلَا تَدُومُ إلَّا عَلَى جَاهِلٍ أَوْ مُهَوَّسٍ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَا مِنْ اتِّبَاعِ الشَّيَاطِينِ وَقَالَ قَبْلَ هَذَا: وَآفَةُ ذَلِكَ يَعْنِي الْإِسْرَافَ فِي صَبِّ الْمَاءِ مِنْ جِهَاتٍ هِيَ أَنَّهُ رُبَّمَا اتَّكَلَ عَلَيْهِ وَفَرَّطَ فِي الدَّلْكِ وَأَبْطَأَ بِهِ الْحَالُ حَتَّى تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَوْ غَيْرُهَا أَوْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ فِي الْمَاءِ مِمَّنْ يُرِيدُ الطَّهَارَةَ أَوْ غَيْرَهَا أَوْ يَأْلَفُ ذَلِكَ فَلَا تُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ مَعَ قِلَّةِ الْمَاء لِأُلْفَةِ الْكَثْرَةِ أَوْ يَبْقَى مُشَوَّشَ الْقَلْبِ. قَالَ: قَالُوا: أَوْ يُوَرِّثُ ذَلِكَ الْوَسْوَاسَ فَلَا يُمْكِنُ مَعَهُ زَوَالُ الشَّكِّ وَقَدْ جَرَّبْنَا ذَلِكَ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى
ص (وَتَيَمُّنُ أَعْضَاءٍ وَإِنَاءٍ إنْ فُتِحَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ التَّيَمُّنُ فِي الْأَعْضَاءِ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ الْيَمِينِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِيَمِينِهِ» رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَدْخَلَهُ سَحْنُونٌ فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: خَرَّجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ فَهِيَ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوُضُوءِ بَلْ يُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِالْيَمِينِ فِي كُلِّ أَفْعَالِ الْخَيْرِ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) فَإِنْ ابْتَدَأَ بِغَسْلِ الْيَدِ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى أَجْزَأَهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(قُلْتُ) غَسَلَ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّ التَّيَامُنَ مُسْتَحَبٌّ، وَالزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثَةِ مَمْنُوعَةٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ نَدَبَ الشَّرْعُ لِتَقْدِيمِ الْيَمِينِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْجَنْبَيْنِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، وَلَمْ يَنْدُبْ لِتَقْدِيمِ الْيُمْنَى مِنْ الْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْخَدَّيْنِ وَالصُّدْغَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَنَافِعَ مِنْ الْقُوَّةِ وَالْجُرْأَةِ وَالصَّلَاحِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ وَلَيْسَتْ لِلْيَسَارِ حَتَّى أَنَّ الْخَاتَمَ يَضِيقُ فِي الْيُمْنَى وَيَتَّسِعُ فِي الْيُسْرَى، وَمَنْ اعْتَبَرَ ذَلِكَ وَجَدَهُ مُقْتَضَى الْخِلْقَةِ الْأُولَى وَأَمَّا الْأُذُنَانِ وَنَحْوُهُمَا فَمُسْتَوِيَانِ فِي الْمَنَافِعِ انْتَهَى. مُخْتَصَرًا.
(قُلْتُ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْسَرَ يُقَدِّمُ الْيُمْنَى وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَإِنَاءٍ إنْ فُتِحَ يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْإِنَاءُ عَلَى يَمِينِ الْمُتَوَضِّئِ إنْ كَانَ مَفْتُوحًا، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّ جَعْلَ الْإِنَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute