أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيّ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيّ نَحْوَهُ وَنَصَّهُ الْبَاجِيُّ: أَقَلُّ مَاءِ الْوُضُوءِ مُدٌّ، وَالْغُسْلِ صَاعٌ، وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِابْنِ شَعْبَانَ وَقَالَ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّحْدِيدِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: وَأَقَلُّ الْمِقْدَارِ مَا كَانَ يَكْتَفِي بِهِ سَيِّدُ النَّاسِ فَلَا يُمْكِنُ فِي الْوُجُودِ أَعْلَمُ مِنْهُ وَلَا أَرْفَقُ وَلَا أَحْوَطُ وَلَا أَسْوَسُ بِأُمُورِ الشَّرْعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْعَارِضَةِ أَيْضًا: وَإِذَا قُلْنَا يَتَوَضَّأ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ فَمَعْنَاهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَكَيْلُ الْمُدِّ وَالصَّاعِ بِالْمَاءِ أَضْعَافُ ذَلِكَ بِالْوَزْنِ فَتَفَطَّنْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِاخْتِصَارٍ فَقَالَ: وَالتَّقْدِيرُ بِالْمُدِّ وَالصَّاعِ فِي الْكَيْلِ لَا فِي الْوَزْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: أَيْ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ مُدًّا مِنْ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمُدِّ مِنْ الْمَاءِ يَسِيرٌ جِدًّا وَمِنْ الطَّعَامِ أَضْعَافُهُ انْتَهَى. يَعْنِي قَدْرَ وَزْنِ الْمُدِّ مِنْ الْمَاءِ.
(الرَّابِعُ) الْوَاجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ الْإِسْبَاغُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ التَّعْمِيمُ، وَإِنْكَارُ مَالِكٍ التَّحْدِيدَ بِأَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ إنَّمَا هُوَ لِنَفْسِ التَّحْدِيدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَعَ عَدَمِ السَّيَلَانِ مَسْحٌ بِغَيْرِ شَكٍّ قَالَهُ فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَدِّ الْوُضُوءِ أَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يَعْنِي أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَدَّهُ انْتَهَى. يَعْنِي التَّقْطِيرَ وَالسَّيَلَانَ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: أَنْكَرَ مَالِكٌ التَّحْدِيدَ بِقَطْرِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ غَالِبًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ التَّحْدِيدَ بِأَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ: يَعْنِي أَنْكَرَ السَّيَلَانَ عَنْ الْعُضْوِ لَا السَّيَلَانَ عَلَى الْعُضْوِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَمَّا السَّيَلَانُ عَنْ الْعُضْوِ فَغَيْرُ مَطْلُوبٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَإِيعَابُهَا بِهِ إمَّا أَنَّهُ يَقْطُرُ أَوْ يَسِيلُ عَنْهَا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الشُّيُوخِ أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ السَّيَلَانِ قَوْلَيْنِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ سَحْنُونٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ.
(فَائِدَةٌ) حَكَى عِيَاضٌ خِلَافًا فِي ضَبْطِ قَوْلِهِ قَطَرَ هَلْ هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ أَوْ مَصْدَرٌ مُنَوَّنٌ.
(الْخَامِسُ) التَّقْلِيلُ مُسْتَحَبٌّ مَعَ الْأَحْكَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّسَالَةِ قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَدْ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ فِي أَحْكَامِ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْقَدْرُ الْكَافِي فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ فَمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ مَا يَكْفِيه فَهُوَ بِدْعَةٌ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِ مَا يَكْفِيه فَقَدْ أَدَّى السُّنَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ بِالتَّحْدِيدِ بِالْمُدِّ وَالصَّاعِ: وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمُسْتَعْمَلِ وَعَادَتِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِالْغُسْلِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِخَلْقِهِ، إذْ لَوْ كَانَ فِيهِ حَدٌّ لَلَزِمَ الْحَرَجُ لِمَا عُلِمَ مِنْ اخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَكْفِيهِ الْيَسِيرُ لِرِفْقِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكْفِيهِ إلَّا الْكَثِيرُ لِإِسْرَافِهِ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ حَدٌّ لَوَجَبَ أَنْ يُفَارِقَ كُلُّ وَاحِدٍ عَادَتَهُ وَيَسْتَعْمِلَ مَنْ يَكْفِيهِ الْيَسِيرُ زِيَادَةً عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَيَقْتَصِرُ مَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ إلَّا بِالْكَثِيرِ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ مَعَهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ، وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِسْبَاغِ بِالْقَلِيلِ أَنْ يُقَلِّلَ الْمَاءَ وَلَا يَسْتَعْمِلَ زِيَادَةً عَلَى الْإِسْبَاغِ انْتَهَى.
(السَّادِسُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ السَّرَفَ هُوَ مَا زِيدَ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْوَاجِبِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشُّيُوخُ كَمَا سَنَقِفُ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الرَّابِعَةِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: السَّرَفُ الْإِكْثَارُ فِي غَيْرِ حَقٍّ وَالْغُلُوُّ الزِّيَادَةُ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: فِي الرِّسَالَةِ: وَالسَّرَفُ فِيهِ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ، قَالَ فِي شَرْحِهِ الشَّيْخُ زَرُّوق وَالْبِدْعَةُ لُغَةً الْمُحْدَثُ، وَفِي الشَّرْعِ إحْدَاثُ أَمْرٍ فِي الدِّينِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنْهُ، وَمَرْجِعُهُ لِاعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْهُ لِمَنْ يَرَاهُ كَمَالًا فَأَمَّا مَنْ يَعْتَرِيهِ ذَلِكَ مِنْ وَسْوَسَةٍ يَعْتَقِدُ نَقْصَهَا وَأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute