عَلِمَ مَوْضِعَهَا خَصَّهَا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا إنْ كَانَ بَعْدَ إكْمَالِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ إكْمَالِهِ نَوَى بِاَلَّتِي تَلِيهَا الْوُجُوبَ فِي مَوْضِعِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَمَا زَادَ عَلَى مَوْضِعِهَا فَعَلَى الْخِلَافِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ نَحْوَهُ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ: وَبِأَيِّ نِيَّةٍ يُكَرِّرُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ عَمَّ بِالْأُولَى أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ أَوْ شَكَّ، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ عَمَّ بِالْأُولَى نَوَى بِالزَّائِدِ الْفَضْلَ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ نَوَى بِالزَّائِدِ الْفَرْضَ، وَإِنْ شَكَّ نَوَى بِالزَّائِدِ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ فِي ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَمَتَى شَكَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِكْمَالُ فَيَنْوِي الْوُجُوبَ فَإِنْ نَوَى الْفَضِيلَةَ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْفَرْضِ فَقَوْلَانِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ بِالْأُولَى وَعَمَّ بِالثَّانِيَةِ صَارَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَيَزِيدُ رَابِعَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ؟ خِلَافٌ. وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي أَنَّهُ عَمَّ بِالْأُولَى وَقُلْنَا يَأْتِي بِالثَّانِيَةِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ فَهَلْ يَأْتِي بِرَابِعَةٍ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ فَفِي كَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَّلِ التَّبْصِرَةِ: أَجَازَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مَرَّةً إذَا أَسْبَغَ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا أُحِبُّ الْوَاحِدَةَ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: الْوُضُوءُ مَرَّتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ قِيلَ لَهُ: فَالْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ اثْنَتَيْنِ إذَا عَمَّتَا وَهَذَا احْتِيَاطٌ وَحِمَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِيَّ إذَا رَأَى مَنْ يَقْتَدِي بِهِ تَوَضَّأَ مَرَّةً فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَدْ لَا يُحْسِنُ الْإِسْبَاغَ فَيُوقِعَهُ فِيمَا لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ بِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الطِّرَازِ وَاقْتَصَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى بَعْضِهِ فَقَالَ: جَوَّزَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا أُحِبُّهَا إلَّا مِنْ عَالِمٍ يَعْنِي لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا الْإِسْبَاغُ وَذَلِكَ لَا يَضْبِطُهُ إلَّا الْعُلَمَاءُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ مَكْرُوهٌ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ فَقِيلَ: لِتَرْكِ الْفَضِيلَةِ جُمْلَةً، وَقِيلَ: مَخَافَةَ أَنْ لَا يَعُمَّ وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ الْوَاحِدَةَ إلَّا لِلْعَالِمِ بِالْوُضُوءِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَنَصَّ مَالِكٌ عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَقَالَ: الْوُضُوءُ مَرَّتَانِ، قِيلَ: فَوَاحِدَةٌ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ أَيْضًا: لَا أُحِبُّ الْوَاحِدَةَ إلَّا مِنْ عَالِمٍ اهـ وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي فِي قَوَاعِدِهِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَرَّةٍ لِغَيْرِ الْعَالِمِ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، الثَّانِي الْكَرَاهَةُ، الثَّالِثُ الْكَرَاهَةُ لِلْعَالِمِ خَاصَّةً، الرَّابِعُ عَكْسُهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ شَدِيدَةٍ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ فِي الطِّرَازِ أَوَائِلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ فَضِيلَةِ التَّكْرَارِ انْتَهَى. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّكْرَارَ فَضِيلَةٌ فَلَا شَكَّ أَنَّ فِي تَرْكِهِ كَرَاهَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى قَوْلِهِ وَرُوِيَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى وَاحِدَةٍ. الْمَازِرِيُّ لِلْحَطِّ عَنْ الْفَضِيلَةِ، وَالْقَابِسِيُّ لَا يَكَادُ يَسْتَوْعِبُ بِوَاحِدَةٍ وَلِذَا رَوَى بِزِيَادَةٍ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ. الْمَازِرِيُّ: هَذِهِ غُرَّةُ الْإسْفَرايِينِيّ فَحَكَى عَنْ مَالِكٍ وُجُوبَ اثْنَتَيْنِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا أُحِبُّ الِاقْتِصَارَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَإِنْ عَمَّتَا انْتَهَى. الْخَامِسُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَشْفِيعَ الْمَغْسُولِ فَضِيلَةٌ وَتَثْلِيثَهُ فَضِيلَةٌ ثَانِيَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَعِبَارَتُهُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ إذْ ظَاهِرُهَا خِلَافُ ذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَأَنْ يُكَرِّرَ الْغَسْلَ ثَلَاثًا أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ هِيَ الْفَضِيلَةُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا جُزْءَ فَضِيلَةٍ، وَقَدْ اشْتَهَرَ خِلَافُهُ مِنْ أَنَّهُمَا فَضِيلَتَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ سُنَّتَانِ أَوْ الْأُولَى سُنَّةٌ وَالثَّانِيَةُ فَضِيلَةٌ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ص (وَهَلْ الرِّجْلَانِ كَذَلِكَ أَوْ الْمَطْلُوبُ الْإِنْقَاءُ؟ وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ؟ خِلَافٌ)
ش ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَسْأَلَتَيْنِ وَذَكَرَ أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ خِلَافًا أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute