للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِبَارَةِ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ مِنْهُ اسْتِنَانًا وَإِنَّمَا خَلَطَهُ بِذِكْرِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِهِ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: وَلَا خِلَافَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ انْقِطَاعَ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ لَا يُوجِبُ غُسْلًا وَاخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ أَمْ لَا ثُمَّ أَطَالَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمَتْيَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْ اسْتِحَاضَةٌ، إذَا لَمْ تَكُنْ اغْتَسَلَتْ مِنْ الْحَيْضِ عِنْدَ دُخُولِهَا فِي الِاسْتِحَاضَةِ كَأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَانْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَيَجِبُ غُسْلُ كَافِرٍ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِمَا ذُكِرَ)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَتَلَفَّظَ بِالشَّهَادَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ إذَا تَقَدَّمَ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْغُسْلِ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ إنْزَالٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ لِلْمَرْأَةِ فَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ سَبَبٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ نَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: الْغُسْلُ مُسْتَحَبٌّ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. وَأَلْزَمَهُ اللَّخْمِيُّ أَنْ يَقُولَ بِسُقُوطِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ إنْ كَانَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنْ حَدَثٍ فِي حَالِ الْكُفْرِ جَبَّ فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَكَذَا حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لِلْجَنَابَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَعَبُّدٌ وَإِنَّ قَوْلَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ ثَالِثٌ وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ قَالَ بِالتَّعَبُّدِ قَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ، لَكِنْ الْمُصَنِّفُ مَعَ ابْنِ بَشِيرٍ فَإِنَّهُ قَالَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ هَلْ ذَلِكَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ لِأَنَّ الْكَافِرَ، جُنُبٌ انْتَهَى.

قُلْت بَلْ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ لِلْإِسْلَامِ جَعَلَهُ الْفَاكِهَانِيُّ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَنَصُّهُ: الِاغْتِسَالَاتُ الْوَاجِبَةُ خَمْسَةٌ: وَهِيَ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَإِسْلَامِ الْكَافِرِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي هَذَا الْأَخِيرِ، انْتَهَى. هَكَذَا قَالَ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَفِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ.

وَالْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فَرِيضَةٌ؛ لِأَنَّهُ جُنُبٌ ثُمَّ زَادَ فِيهِ وَقَالَ: وَقَدْ تَعَقَّبَ ابْنُ الْفَخَّارِ عَلَى الشَّيْخِ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ جُنُبٌ فَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا، انْتَهَى.

(الثَّانِي) قَالَ اللَّخْمِيُّ لَوْ اغْتَسَلَ لِلْإِسْلَامِ وَلَمْ يَنْوِ جَنَابَةً وَإِنَّمَا يَقْصِدُ التَّنَظُّفَ وَزَوَالَ الْأَوْسَاخِ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ انْتَهَى، وَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ إذَا اغْتَسَلَ نَوَى الْجَنَابَةَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ وَنَوَى بِهِ الْإِسْلَامَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الطُّهْرَ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ فِيهِ انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ وَنَصُّهُ وَيَنْوِي بِغُسْلِهِ الْجَنَابَةَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ اعْتَقَدَ بِهِ الْإِسْلَامَ وَلَمْ تَخْطِرْ الْجَنَابَةُ بِقَلْبِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: إنْ اغْتَسَلَ لِلْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ: وَإِنْ تَيَمَّمَ أَوْ اغْتَسَلَ لِلْإِسْلَامِ وَلَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الطُّهْرَ، انْتَهَى.

(الثَّالِثُ) لَوْ كَانَ الْكَافِرُ يَعْتَقِدُ دِينًا يَرَى الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَاغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَتِهِ فِي حَالِ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. وَزَعَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ تَخْرِيجًا عَلَى صِحَّةِ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ فَإِنَّهَا إذَا أَسْلَمَتْ بَقِيَ زَوْجُهَا عَلَى اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ بِذَلِكَ الْغُسْلِ قَالَ: وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الذِّمِّيَّةِ وَقَعَ صَحِيحًا حَالَ الْكُفْرِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ وَلَمْ يَقَعْ عِبَادَةً، وَصِحَّةُ الْغُسْلِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَكُونُ إلَّا بِوُقُوعِ الْغُسْلِ مِنْهَا عِبَادَةً وَقُرْبَةً وَالْكُفْرُ لَا يَصِحُّ مَعَهُ قُرْبَةٌ بِوَجْهٍ، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ إذَا أَسْلَمَتْ يَجُوزُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْحَيْضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ وَيُؤْمَرُ مَنْ أَسْلَمَ بِأَنْ يَخْتَتِنَ وَأَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ إنْ كَانَ شَعْرُ رَأْسِهِ عَلَى غَيْرِ زِيِّ الْعَرَبِ كَالْقَزَعَةِ وَشِبْهِهَا وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَحْلِقَ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أَسْلَمْت، فَقَالَ لَهُ: أَلْقِ شَعْرَ الْكُفْرِ. وَأَنَّهُ قَالَ لِلْآخَرِ: أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ» وَقَوْلُهُ: شَعْرَ الْكُفْرِ أَيْ الشَّعْرَ الَّذِي هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>