ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ جَمَاعَةِ النَّاسِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَرْجُو لِمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ الشَّفَقِ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ يُصَلِّيهَا الْمُسَافِرُ عِنْدَ رِحْلَتِهِ وَالْحَاجُّ بِعَرَفَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ: إنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا، وَهَذَا اخْتِلَافُ قَوْلٍ فَوَجْهُ الْمَذْهَبِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَذَكَرَ تَوْجِيهَاتٍ كَثِيرَةً ثُمَّ قَالَ وَوَجْهُ الثَّانِي مَا تَعَلَّقَ بِهِ أَشْهَبُ مِنْ أَنَّ صَلَاتَهَا حِينَئِذٍ حَالَ الْعُذْرِ مَكْرُوهَةٌ وَتَقَعُ مُجْزِئَةً، وَلَوْلَا أَنَّ فَرْضَهَا قَدْ تَوَجَّهَ لَمَا أَجْزَأَتْ بِحَالٍ كَالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْمَغْرِبِ قَبْلَ الْغُرُوبِ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) هَذَا الِاشْتِرَاكُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْقَوْلِ يُجْزِئُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ حُصُولِ الْعُذْرِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ مَطَرٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْجَمْعِ الِاشْتِرَاكُ عِنْدَنَا عَلَى ضَرْبَيْنِ اشْتِرَاكٌ اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ أَعْنِي هُوَ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ؟ . وَاشْتِرَاكُ ضَرُورَةٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا فِي بَابِ جَمْعِ الْمُسَافِرِ وَهُوَ يَدْخُلُ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَعْدَ مُضِيِّ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ قَالَ فِي التَّلْقِينِ لَمَّا ذَكَرَ أَوْقَاتَ الضَّرُورَةِ مَا نَصُّهُ: وَبَيَانُ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهِيَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الزَّوَالِ وَقْتٌ لِلظُّهْرِ مُخْتَصٌّ لَا يُشْرِكُهَا فِيهِ الْعَصْرُ بِوَجْهٍ وَمُنْتَهَى هَذَا الِاخْتِصَاصِ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلْحَاضِرِ وَرَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثُمَّ يَصِيرُ الْوَقْتُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا إلَى قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلْحَاضِرِ وَرَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ فَيَزُولُ الِاشْتِرَاكُ وَيَخْتَصُّ الْوَقْتُ بِالْعَصْرِ وَتَفُوتُ الظُّهْرُ حِينَئِذٍ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ انْتَهَى. هَذَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجَمْعِ أَنَّ مَا قَبْلَ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ ضَرُورِيٌّ لِلْعَصْرِ، وَكَذَلِكَ مَا قَبْلَ الشَّفَقِ وَقْتٌ ضَرُورِيٌّ لِلْعِشَاءِ.
(الرَّابِعُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ إلَّا ابْنُ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا اشْتِرَاكَ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ عَزَا اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ نَاجِي عَنْ اللَّخْمِيِّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَائِلًا تَاللَّهِ مَا بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ وَلَقَدْ زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ الْعُلَمَاءِ.
(الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَفْيِ الِاشْتِرَاكِ وَاَلَّذِي نُقِلَ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ: وَآخِرُهُ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّكُ مِثْلَكَ فَتَتِمُّ الصَّلَاةُ قَبْلَ تَمَامِ الْقَامَةِ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ إذَا صَارَ الظِّلُّ قَامَةً كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ آخِرَ وَقْتِهِ وَوَقْتُ الْعَصْرِ أَوَّلُ وَقْتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الْمُخْتَصَرِ. ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي بَيَانِ تَفْسِيرِ الشَّفَقِ وَالْفَجْرِ وَالزَّوَالِ قَالَ وَإِذَا كَانَ الزَّائِدُ قَامَةً كَانَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَظَاهِرُهُ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي بَابِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ: وَآخِرُهُ إذَا كَانَ ظِلُّكَ بَعْدَ فَرَاغِكِ مِنْهَا تَمَامَ الْقَامَةِ، وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ تَمَامُ الْقَامَةِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ فَتَتِمُّ الصَّلَاةُ قَبْلَ تَمَامِ الْقَامَةِ لَعَلَّهُ نَقَلَهُ مِنْ غَيْرِ الْوَاضِحَةِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ.
ص (وَلِلْمَغْرِبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ تُقَدَّرُ بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهِمَا) .
ش لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ الْعَصْرِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا تَقَعُ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَتُسَمَّى صَلَاةَ الشَّاهِدِ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ فَقِيلَ: لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَقْصُرُهَا وَيُصَلِّيهَا كَصَلَاةِ الشَّاهِدِ وَهُوَ الْحَاضِرُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الرِّسَالَةِ وَنَقَضَهُ الْفَاكِهَانِيُّ بِالصُّبْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute