للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قُلْتُ:) وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهُ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَجْمًا يَطْلُعُ عِنْدَ الْغُرُوبِ يُسَمَّى الشَّاهِدَ وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الْعَصْرَ ثُمَّ قَالَ: لَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي عَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّهُ قَالَ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الشَّاهِدَ النَّجْمُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا قَالَهُ مَالِكٌ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَهَا يُصَلِّيهَا، وَلَا يَنْتَظِرُ مَنْ غَابَ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا عِشَاءً فَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَنَصُّهُ: «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ قَالَ وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ» وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَلَا يُقَالُ: لَهَا عِشَاءٌ لَا لُغَةً، وَلَا شَرْعًا، وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عِشَاءً انْتَهَى. لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُنِيرِ الْمَالِكِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِلِالْتِبَاسِ بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى فَلَا يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى بِالْعِشَاءِ الْأُولَى قَالَ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ الْأُولَى وَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُنِيرِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ عَنْ ابْنِ حَاتِمٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى عِشَاءً لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا قَالَ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ «إذَا حَضَرَ الْعِشَاءُ وَالْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمَغْرِبِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) هَذَا الْحَدِيثُ قَالَ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِلَفْظِ «إذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» انْتَهَى.

(قُلْتُ:) هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَيْضًا «إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» لَكِنْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ وَقَالَ الْعَشَاءُ بِالْفَتْحِ الطَّعَامُ وَأَرَادَ بِالْعِشَاءِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ الْإِفْطَارِ وَلِضِيقِ وَقْتِهَا انْتَهَى.

(قُلْتُ:) وَلَا يُحْتَجُّ لِتَسْمِيَتِهَا عِشَاءً بِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَوْمُهُ رَاكِبًا قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ طُوِّلَ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَلَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيُ تَسْمِيَتَهَا عِشَاءً عَلَى التَّغْلِيبِ كَمَا إذَا قَالَ صَلَّيْتُ الْعِشَاءَيْنِ انْتَهَى.

(فَصْلٌ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ بِحَالٍ وَالْمُرَادُ بِالْغُرُوبِ غُرُوبُ قُرْصِ الشَّمْسِ جَمِيعِهِ بِحَيْثُ لَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ لَا مِنْ سَهْلٍ، وَلَا مِنْ جَبَلٍ فَإِنَّهَا قَدْ تَغِيبُ عَمَّنْ فِي الْأَرْضِ وَتُرَى مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ قَالَ سَنَدٌ الْغُرُوبُ أَنْ تَغْرُبَ آخِرُ دُورِ الشَّمْسِ فِي الْعَيْنِ الْحَمِئَةِ وَيُقْبِلَ سَوَادُ اللَّيْلِ مِنْ الْمَشْرِقِ انْتَهَى. وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْغُرُوبَ الشَّرْعِيَّ هُوَ غُرُوبُ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ، وَالْغُرُوبُ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيقَاتِ غُرُوبُ مَرْكَزِ الشَّمْسِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْعِيَّ يَحْصُلُ بَعْدَ الْفَلَكِيِّ بِنَحْوِ نِصْفِ دَرَجَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَمْكِينٍ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْوَقْتُ بِإِقْبَالِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ مِنْ الْمَشْرِقِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ إذَا غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ بِمَوْضِعٍ لَا جِبَالَ فِيهِ فَأَمَّا مَوْضِعٌ تَغْرُبُ فِيهِ خَلْفَ جِبَالٍ فَيُنْظَرُ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ فَإِذَا طَلَعَتْ الظُّلْمَةُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْمُرَاعَى غَيْبُوبَةُ جُرْمِهَا وَقُرْصِهَا دُونَ أَثَرِهَا وَشُعَاعِهَا وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَغِيبِ قُرْصِهَا عَمَّنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَغِيبَ عَمَّنْ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إقْبَالُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» ، وَلَا عِبْرَةَ بِأَثَرِهَا وَهُوَ الْحُمْرَةُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَأَخَّرُ انْتَهَى. فَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ شُعَاعِهَا فِي الْجِدَارَاتِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ سُقُوطَهُ وَهُوَ الضَّوْءُ الْمُسْتَعْلِي كَالْمُتَّصِلِ بِهَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى خِلَافِ دَعْوَاهُ.

ص (تُقَدَّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>