للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا)

ش: يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ غَيْرُ مُمْتَدٍّ بَلْ يُقَدَّرُ بِمَا يَسَعُ فِعْلَهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا وَاخْتُلِفَ هَلْ وَقْتُهَا مُتَّحِدٌ، أَوْ مُمْتَدٌّ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ رِوَايَتَانِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ رِوَايَةُ الِاتِّحَادِ أَشْهَرُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ الِاتِّحَادُ هُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَاهُ الْبَغْدَادِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إنَّهُ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمَشْهُورِ وَدَلِيلُهُ مَا فِي حَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ صَلَّى بِهِ الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ» ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ وَهِيَ مَذْهَبُهُ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ فِيهَا إذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ الْعِشَاءُ وَخَرَجْتُ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِب قَالَ فِي الطِّرَازِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ: يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ ثُمَّ يُصَلِّيهَا وَآخَرُ يُصَلِّي الْعِشَاءَ إذَا غَابَ الشَّفَقُ يَكُونُ وَقْتًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَمَا يَشْتَرِكُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فِي أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْبَاجِيِّ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ فِي الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ قَرْيَةٍ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَغِيبُ الشَّمْسُ، وَلَا مَاءَ مَعَهُ قَالَ إنْ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ الْمَاءِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ بِهِ تَيَمَّمَ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ تَغِيبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ وَفِي الْبُخَارِيِّ: «إذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْل أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ» فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَهَا مُتَّسِعٌ، وَلِأَنَّهَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَهَذِهِ إمَارَةُ اتِّصَالِ وَقْتَيْهِمَا كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَمَا لَا يَتَّصِلُ وَقْتَاهُمَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ وَالظُّهْرِ انْتَهَى بِاخْتِصَارِ.

وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ مَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ السَّائِلِ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي الْأَوَّلِ حِينَ غَابَ الشَّمْسُ وَفِي الثَّانِي عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ وَفِي رِوَايَةٍ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «إذَا صَلَّيْتُمْ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ» وَفِي رِوَايَةٍ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ وَقَوْلُهُ ثَوْرُ الشَّفَقِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ: ثَوَرَانُهُ وَانْتِشَارُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَوْرُ بِالْفَاءِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُغْرِبِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ لِلْمُقِيمِينَ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُدُّوا الْمَيْلَ وَنَحْوَهُ ثُمَّ يَنْزِلُوا وَيُصَلُّوا فَأَخَذَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ هَذَا أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ وَأَخَذَ أَيْضًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُتَيَمِّمِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَأَخَذَ أَيْضًا مِنْ تَأْخِيرِهَا لِلْجَمْعِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِلْمُسَافِرِ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بِمِقْدَارِ مَا تَكُونُ الْمَغْرِبُ فِي آخِرِ وَقْتِهَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَالْعِشَاءُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَوَاضِعَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أُخِذَ مِنْهَا أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ، وَرَدَّ الْأَخْذَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِلْمُسَافِرِ مِنْ بَابِ الْأَعْذَارِ وَالرُّخَصِ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَالَهُ فِي التَّلْقِينِ.

(قُلْتُ:) وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ قَالَ: وَكَذَلِكَ التَّأْخِيرُ لَيْلَةَ الْجَمْعِ إنَّمَا هُوَ لِلْعُذْرِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ نَاجِي وَقَالَ: الصَّوَابُ أَنَّ الْإِقَامَةَ مِنْ هُنَا وَاضِحَةٌ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمُسَافِرِ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ فَالْأَخْذُ مِنْهَا قَوْلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ لِأَجْلِ إدْرَاكِ الْمَاءِ وَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ إذَا خِيفَ خُرُوجُ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا أَجَازَ تَأْخِيرَهَا لِلشَّفَقِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ لِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِالِامْتِدَادِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ: إنَّ الْقَوْلَ بِالِامْتِدَادِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي أَحْكَامِهِ إنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلِهِ الَّذِي فِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي قَرَأَهُ طُولَ عُمْرَهُ وَأَمْلَاهُ حَيَاتَهُ انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ لَفْظَ الْمُوَطَّإِ السَّابِقَ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّيَمُّمِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَذَكَرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَوْلَهُ فِي كِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>