الْجَنَائِزِ: إنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَإِذَا غَرَبَتْ فَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْجِنَازَةِ، أَوْ بِالْمَغْرِبِ، وَقَوْلَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: إنَّهُ إذَا طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَرْكَعُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْمَغْرِبِ، أَوْ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الِاتِّحَادِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَابْنُ شَاسٍ يُقَدِّرُ آخِرَهُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ قَدْرُ مَا تَوَقَّعَ فِيهِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يُرَاعَى مِقْدَارُ الطَّهَارَةِ وَالسَّتْرِ، وَاقْتَصَرَ مُصَنِّفُ الْإِرْشَادِ عَلَى هَذَا الَّذِي نَسَبَهُ ابْنُ رَاشِدٍ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ مُقَدَّرٌ بِفِعْلِهَا بَعْدَ تَحْصِيلِ شُرُوطِهَا وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ مَعْنَى الِاتِّحَادِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قُدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ خَلِيلٌ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِ الطَّهَارَةِ هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْمَغْرِبَ تَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَاحِدٌ، وَلَا يُمْكِنُ فَهْمُهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّ تَقْدِيمَ الشُّرُوطِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا بَعْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ نَسَبَهُ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَنَّ صَاحِبَ الْإِرْشَادِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَنَسَبَهُ لِمَالِكٍ وَنَصُّهُ وَاخْتُلِفَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) وَقْتُهَا مُقَدَّر بِفِعْلِ الطَّهَارَةِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَثَلَاثِ رَكَعَاتٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا.
(الثَّانِي) آخِرُ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ حِينَ قَالَ لَا بَأْسَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَمُدَّ الْمِيلَ وَنَحْوه.
(الثَّالِثُ) آخِرُ وَقْتِهَا إذَا غَابَ الشَّفَقُ قَالَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(الرَّابِعُ) آخِرُ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الشَّفَقِ قَالَهُ أَشْهَبُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِ آخِرِ وَقْتِهَا آخِرَ مَا يَسَعُهَا بِغُسْلِهَا، أَوْ بِمَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، ثَالِثَهَا مَا يَسَعُهَا بَعْدَ مَغِيبِهِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ فَيَشْتَرِكَانِ. الْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ، وَالثَّانِي لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَأَخَذَهُ أَبُو عُمَرَ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ قَوْل الْمُوَطَّإِ إذَا غَابَ الشَّفَقُ خَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَأَخَذَهُ الْبَاجِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّالِثُ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَشْهَبَ وَلَمْ يَحْكِ الْبَاجِيُّ فِي الِامْتِدَادِ غَيْرَهُ وَاعْتِبَارُ مَا يَسَعُهَا بِغُسْلِهَا لَازِمٌ لِوُجُوبِهِ وَعَدَمِهِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى امْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِوَقْتٍ مَا لَا يَسْعَهُ وَبِهِ يُفْهَمُ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ فَاعِلُهَا أَثَرَ الْغُرُوبِ وَالْمُتَوَانِي قَلِيلًا كِلَاهُمَا أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا وَرَوَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مُصَرِّحًا بِاعْتِبَارِ قَدْرِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ مَعَهُ انْتَهَى بِلَفْظِهِ الْأَغَرّ، وَالْأَقْوَالُ لِلْبَيَانِ، وَقَوْلُهُ وَعَدَمُهُ قَبْلَ وَقْتِهَا يَعْنِي عَدَمَ وُجُوبِ الْغُسْلِ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَ بِالِاتِّحَادِ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ قَدْرِ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ وَلُبْسَ الثِّيَابِ وَالْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ فَمَنْ كَانَ مُحَصِّلًا لِهَذِهِ الْأُمُورِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ تَقْدِيمُهَا إثْرِ الْغُرُوبِ، وَلَوْ تَوَانَى بِهَا قَلِيلًا مَعَ تَحْصِيلِهِ لِشُرُوطِهَا إلَى مِقْدَارِ مَا يَسَعُ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمْ يَأْثَمْ وَكَانَ مُؤَدِّيًا لَهَا فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُحَصِّلًا لِلشُّرُوطِ فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ.
(قُلْتُ:) يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ مَعَ اعْتِبَارِ مَا تَقَدَّمَ قَدْرُ مَا لَا يَسَعُ الِاسْتِبْرَاءَ الْمُعْتَادَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ أَيْضًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا قُلْنَا بِالِاتِّحَادِ فَمَا حَدُّهُ؟ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ فَذَكَرَ الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ الطَّهَارَةِ وَاللُّبْسِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ جَمِيعُ وَقْتِهَا بِمَنْزِلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الِامْتِدَادِ فَمَا حَدُّهُ؟ فَعِنْدَنَا مَا تَقَدَّمَ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا اعْتِبَارُ مَا تَقَدَّمَ وَثَانِيهمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ أَنَّ وَقْتَهَا مِنْ غُرُوبِ قُرْصِ الشَّمْسِ إلَى حِينِ الْفَرَاغِ لِلْمُقِيمِينَ وَيَمُدُّ الْمُسَافِرُ الْمَيْلَ وَنَحْوَهُ وَكَلَامُهُ يُوهِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute