للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّهَارَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ رِوَايَةَ الِاتِّحَادِ هِيَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقِيمِ دُونَ الْمُسَافِرِ قَالَ فِيهَا وَالْمَغْرِبُ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُدَّ الْمَيْلَ وَنَحْوَهُ انْتَهَى.

(الثَّانِي) قَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي قُلْنَا فِي وَقْتِ الِافْتِتَاحِ أَمَّا وَقْتُ اسْتِمْدَادِهَا فَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ اسْتِدَامَتِهَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ وَالطُّورِ وَأَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا وَالْمُرْسَلَاتِ» ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّ وَقْتَهَا فِي الِاخْتِيَارِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ إلَى مَا بَعْدَ الشَّفَقِ إجْمَاعًا وَيَجُوزُ مَا دَامَ الشَّفَقُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَقْتًا لَهَا فِي الِاخْتِيَارِ لَمَا جَازَ كَمَا بَعْدَ الشَّفَقِ انْتَهَى.

وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ أَعْنِي أَنَّ الْوَقْتَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ فِي الدُّخُولِ فِيهَا، وَأَمَّا امْتِدَادُهَا فَيَجُوزُ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَرْعٌ: إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمَغْرِبَ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَمَا حَدُّهُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ وَقْتٌ مُضَيَّقٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالْفِرَاعِ مِنْهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ قَالَ سَنَدٌ أَمَّا وَقْتُ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهُ مُضَيَّقٌ، وَأَمَّا اسْتِدَامَتُهَا فَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ اسْتِدَامَتِهَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَتَأَمَّلْهُ. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطْوِيلُ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ غَيْرَ أَنَّ فِي كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَحَكَى الشَّافِعِيَّةُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا.

(الثَّالِثُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ أَيْ: الْمُعْتَادَيْنِ فِي حَقِّ غَالِبِ النَّاسِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَطْوِيلُ الْمُوَسْوِسِ، وَلَا تَخْفِيفُ النَّادِرِ مِنْ النَّاسِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَا يَسَعُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالِاسْتِبْرَاءَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ التَّطْوِيلَ فِي ذَلِكَ وَأَخَّرَهَا عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ ذَلِكَ فِي غَالِبِ النَّاسِ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ صَلَّاهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَنْ عَادَتُهُ التَّطْوِيلُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ، وَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ الْبَوْلُ بِسُرْعَةٍ وَبَالَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ اسْتِبْرَاؤُهُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ فَكَيْفَ يَفْعَلُ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَادَتُهُ التَّطْوِيلُ فِي الْغَسْلِ فِي الْوُضُوءِ فَهَلْ يُؤَخِّرُهَا، وَلَوْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ الْمَذْكُورِ؟ وَهَلْ يُقَالُ: إنَّهُمْ أَوْقَعُوهَا بَعْدَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، أَوْ إنَّ وَقْتَهَا مُقَدَّرٌ بِفِعْلِهَا بَعْدَ تَحْصِيلِ شُرُوطِهَا وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ كُلِّ مُكَلَّفٍ؟ وَقَدْ يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَوَاهِرِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقْتُهَا وَاحِدٌ مُضَيَّقٌ غَيْرُ مُمْتَدٍّ مُقَدَّرٌ آخِرُهُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ انْتَهَى. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهُوَ مَنْ بَالَ وَكَانَتْ عَادَتُهُ أَنَّ اسْتِبْرَاءَهُ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بَعْدَ طُولٍ بِحَيْثُ يَخْرُجُ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ، أَوْ الضَّرُورِيُّ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَهَلْ يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِهِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالسَّلَسِ أَوْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْبَوْلُ؟ وَهَلْ الْأَوْلَى لَهُ إذَا كَانَ مَحْصُورًا وَخَافَ أَنْ يَقَعَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ، أَوْ يُزِيلُ عَنْهُ الضَّرُورَةَ؟ فَإِنْ وَقَعَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: فِي الرُّعَافِ وَالنَّجَاسَةِ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ، وَقَالُوا: إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِاشْتِغَالِهِ بِالْوُضُوءِ، أَوْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حُكْمٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السَّلَسِ أَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي إنْ كَانَ ذَلِكَ مُلَازِمًا لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ تَسَاوَتْ مُلَازَمَتُهُ وَانْقِطَاعُهُ، وَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُهُ أَكْثَرَ فَهُوَ نَاقِضٌ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَسُئِلَ عَنْهَا شَيْخُ الْمَالِكِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ - أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ - فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>