للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ هَلْ ذَلِكَ إذَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ، أَوْ حِينَ يَبْلُغُونَ عَشْرَ سِنِينَ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا أَثْغَرَ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ وَأُدِّبَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحِينَئِذٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ «مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَتَجَرَّدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ أَبَوَيْهِ وَلَا مَعَ إخْوَتِهِ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبٌ وَلَيْسَ هَذَا بِحَسَنٍ وَأَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا جُمْلَةً وَسَوَاءٌ كَانُوا ذُكُورًا، أَوْ إنَاثًا فَإِنْ عَمِلَ بِذَلِكَ لِسَبْعٍ حَسُنَ.

وَإِنْ أَخَّرَ لِعَشْرٍ فَوَاسِعٌ، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَبَعْدَ الْعَشْرِ وَكَرِهَ فُضَيْلٌ وَسُفْيَانُ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهَا وَقَالَا أَرْشِهِ عَلَيْهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ، أَوْ لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ أَنْ أُرْشِيَ ضُرِبَ عَلَيْهَا انْتَهَى.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) جَعَلَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا إذَا أَثْغَرَ مُغَايِرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ قَالَ: لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا مُغَايَرَتَهُمَا فِي بَابِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا.

(قُلْتُ:) وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُمَا قَوْلٌ وَاحِدٌ فَتَأَمَّلْهُ.

(الثَّانِي) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي عَنْ شَيْخِهِ يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ أَنَّهُ كَانَ جَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَاجِعًا لِأَوَّلِ الْحَدِيثِ وَابْنُ وَهْبٍ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ.

(الثَّالِثُ) الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ كُلِّهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِبُلُوغِهِ السَّبْعَ دُخُولُهُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ بِبُلُوغِ الْعَشْرِ دُخُولُهُ فِيهَا لَا إكْمَالُ السَّبْعِ وَإِكْمَالُ الْعَشْرِ وَنُصُوصُهُمْ الْمُتَقَدِّمَةُ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ: وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَبَعْدَ الْعَشْرِ فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَادَهُ فَبَعْدَ بُلُوغِ الْعَشْرِ لَا بَعْدَ إكْمَالِهَا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ بِالتَّأَمُّلِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) هَلْ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ الصِّبْيَانُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ؟ فَقِيلَ: إنَّ الْمَأْمُورَ بِذَلِكَ الْأَوْلِيَاءُ وَإِنَّ الصَّبِيَّ لَا يُخَاطَبُ بِنَدْبٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الْمَأْمُورَ بِذَلِكَ الصِّبْيَانُ وَإِنَّ الْبُلُوغَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ لَا فِي الْخِطَابِ بِالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ فِي الْمَوَاقِيتِ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ شَرْطًا فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الصَّبِيَّ يُنْدَبُ وَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الْمَنْدُوبَاتِ إذَا فَعَلَهَا لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ، وَلَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِنَدْبٍ، وَلَا بِغَيْرِهِ بَلْ الْمُخَاطَبُ الْوَلِيُّ، وَأَمْرُ الصَّبِيِّ بِالْعِبَادَاتِ عَلَى سَبِيل الْإِصْلَاح كَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» .

(وَالْجَوَابُ) أَنَّ حَدِيثَ الْخَثْعَمِيَّةِ أَخُصُّ مِنْ هَذَا فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ قَالَ: وَأَمَّا التَّمْيِيزُ فَهُوَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إجْمَاعًا، فَالصَّبِيُّ قَبْلَ التَّمْيِيزِ كَالْبَهِيمَةِ لَا يُخَاطَبُ بِإِبَاحَةٍ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا انْتَهَى بِالْمَعْنَى.

(قُلْتُ:) وَهَذَا جَارٍ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَنْدُوبَ وَالْمَكْرُوهَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ هُوَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ: إنَّ الصَّغِيرَ لَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ وَتُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ الْخِيَارِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ إنَّ الْمُرَاهِقَ لَا يُؤَاخَذُ بِذَنْبٍ، وَلَا يُثَابُ عَلَى طَاعَاتِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يُثَابُ عَلَى طَاعَاتِهِ انْتَهَى.

فَظَاهِرُهُ تَضْعِيفُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى طَاعَتِهِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ فِي كِتَابِ النُّذُورِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ أَوَّلِ حَدِيثٍ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُفْيَانَ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبَزَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى الْبَكَّاءُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يُكْتَبُ لِلصَّغِيرِ حَسَنَاتُهُ، وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ وَقَالَ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ فِي النِّكَاحِ قَالَ عُمَرُ: يُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ حَسَنَاتُهُ، وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ خِلَافُ هَذَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ انْتَهَى كَلَام الْمُقْرِي وَقَالَ فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>