للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى شُرُوطِ التَّكْلِيفِ: لِلصَّبِيِّ حَالَانِ: حَالٌ لَا يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَهُوَ فِيهَا كَالْبَهِيمَةِ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِعِبَادَةٍ، وَلَا مَنْدُوبٍ إلَى فِعْلِ طَاعَةٍ. وَحَالٌ يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ فِيهَا مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَمَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؟ فَقِيلَ: إنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّ وَلِيَهُ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِتَعْلِيمِهِ وَتَدْرِيبِهِ وَالْمَأْجُورُ عَلَى ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَنْدُوبَانِ إلَى ذَلِكَ مَأْجُورَانِ عَلَيْهِ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ الَّتِي أَخَذَتْ بِضَبْعَيْ الصَّبِيِّ وَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» ، وَهَذَا وَاضِحٌ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الصَّغِيرُ وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلَّا أَنَّهُ يُنْدَبُ إلَى الْقُرَبِ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْوَلِيُّ يُنْدَبُ لِذَلِكَ أَوْ الصَّبِيُّ أَوْ هُمَا جَمِيعًا مُخَاطَبَانِ مَأْجُورَانِ؟ انْتَهَى.

(الْخَامِسُ) إذَا قُلْنَا: إنَّ الْأَوْلِيَاءَ هُمْ الْمَأْمُورُونَ أَوْ الْأَمْرُ لَهُمْ وَلِلصِّبْيَانِ فَهَلْ الْوَلِيُّ مَأْمُورٌ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، أَوْ النَّدْبِ؟ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ النَّدْبُ وَأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْأَمْرِ كَمَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالْأَقْفَهْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ.

(السَّادِسُ) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا ثَوَابَ لِلصَّبِيِّ فَاخْتُلِفَ فِي ثَوَابِ الصَّلَاةِ فَقِيلَ: لِلصَّبِيِّ، وَقِيلَ: لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَاخْتُلِفَ لِمَنْ أَجْرُ الصَّلَاةِ فَقَالَ لِوَالِدَيْهِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَقِيلَ: الثُّلُثُ لِلْأَبِ وَالثُّلُثَانِ لِلْأُمِّ وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ هَذَا كُلَّهُ، وَقِيلَ: إنَّمَا يَكُونُ لِلصَّبِيِّ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لِوَالِدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: إنَّ الصِّبْيَانَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا يَتَفَاوَتُ الْكِبَارُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] انْتَهَى.

(السَّابِعُ) مَعْنَى التَّفْرِقَةِ فِي الْمَضَاجِعِ قَالَ الْمَوَّاقُ قَالَ اللَّخْمِيُّ أَنْ يُجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِرَاشٌ عَلَى حِدَتِهِ، وَقِيلَ: أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ ثَوْبٌ حَائِلٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَتَجَرَّدْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَلَا مَعَ إخْوَتِهِ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبٌ وَلَيْسَ هَذَا بِحَسَنٍ وَأَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا جُمْلَةً وَسَوَاءٌ كَانُوا ذُكُورًا، أَوْ إنَاثًا، أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَإِنْ عَمِلَ بِذَلِكَ لِسَبْعٍ فَحَسَنٌ، وَإِنْ أَخَّرَ لِعَشْرٍ فَوَاسِعٌ، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَبَعْدَ الْعَشْرِ انْتَهَى.

(الثَّامِنُ) قَالَ الْمَوَّاقُ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّأْدِيبِ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْوَعِيدِ وَالتَّقْرِيعِ لَا بِالشَّتْمِ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْقَوْلُ انْتَقَلَ إلَى الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثَةٍ ضَرْبَ إيلَامٍ فَقَطْ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ وَلَيْسَ هُوَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَنَصُّهُ: " وَعَلَيْهِ أَنْ يَزْجُرَ الْمُتَخَاذِلَ فِي حِفْظِهِ بِالْوَعِيدِ وَالتَّقْرِيعِ لَا بِالشَّتْمِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُعَلِّمِينَ لِلصَّبِيِّ يَا قِرْدُ يَا عِفْرِيتُ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْقَوْلُ انْتَقَلَ لِلضَّرْبِ، وَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثَةٍ ضَرْبَ إيلَامٍ فَقَطْ دُونَ تَأْثِيرٍ فِي الْعُضْوِ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ زَادَ إلَى عَشْرٍ " قَالَ وَمَنْ نَاهَزَ الْحُلُمَ وَغَلَظَ حَلْقُهُ، وَلَمْ تَرْدَعْهُ الْعَشَرَةُ فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا.

(قُلْتُ:) الصَّوَابُ اعْتِبَارُ حَالِ الصِّبْيَانِ شَاهَدْتُ بَعْضَ مُعَلِّمِينَا الصَّالِحِينَ يَضْرِبُ الصَّبِيَّ فَوْقَ الْعِشْرِينَ وَأَزْيَدَ وَكَانَ مُعَلِّمُنَا يَضْرِبُ مَنْ عَظُمَ جُرْمُهُ بِالْعَصَا فِي سَطْحِ أَسْفَلِ رِجْلَيْهِ الْعِشْرِينَ وَأَكْثَرَ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ يَضْرِبُونَ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ عَلَى الظَّهْرِ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ وَيَضْرِبُ تَحْتَ الْقَدَمِ عُرْيَانًا، وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا كَانَ قِصَاصًا فَإِنْ نَشَأَ عَنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُضْرَبُونَ عَلَى الصَّلَاةِ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ وَعَلَى الْأَلْوَاحِ خَمْسَةً وَعَلَى السَّبِّ سَبْعَةً وَعَلَى الْهَرَبِ عَشَرَةً وَيَكُونُ ذَلِكَ بِسَوْطٍ لَيِّنٍ انْتَهَى. زَادَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فَإِنْ زَادَ اُقْتُصَّ مِنْهُ.

ص (وَمُنِعَ نَفْلٌ وَقْتَ طُلُوعِ شَمْسٍ وَغُرُوبِهَا وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ) .

ش لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ شَرَعَ الْآنَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَوْقَاتِ النَّافِلَةِ يُرِيدُ النَّافِلَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>