للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُرِكَ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَمَرَّتْ الْأَعْصَارُ عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَخْبَارُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَلَوْ صَلَّى مُصَلٍّ إلَيْهَا لَمْ أَرَ عَلَيْهِ إعَادَةً وَهَذَا فِي مِقْدَارِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَأَمَّا مَا زِيدَ عَلَيْهَا فَإِنَّمَا زِيدَ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مَرْكَنًا فَيُؤْذِي الطَّائِفِينَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا تُرِكَ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ إلَخْ يَعْنِي وَلِأَجَلِ أَنَّ الْحِجْرَ مِنْ الْبَيْتِ تُرِكَ الْبَيْتُ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ: ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ اللَّخْمِيّ الْمَذْكُورَ وَقَوْلَ عِيَاضٍ: الْمَقْصُودُ اسْتِقْبَالُ بِنَائِهِ لَا بُقْعَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْبُقْعَةُ لَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْحِجْرِ يُبْطِلُهَا وَلَوْ تُيُقِّنَ كَوْنُهُ مِنْهَا انْتَهَى. وَمَوْضِعُ اسْتِدْلَالِ عِيَاضٍ الْمَقْصُودُ اسْتِقْبَالُ بِنَائِهِ لَا بُقْعَتِهِ لَا قَوْلُهُ لَاتَّفَقُوا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْي الِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَدَّعِهِ اللَّخْمِيُّ وَلَا غَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِقْبَالِهِ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَى ظَهْرِهَا قَالَ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ الْمَقْصُودُ فِي الِاسْتِقْبَالِ بَعْضُ هَوَائِهَا أَوْ بَعْضُ بِنَائِهَا أَوْ جُمْلَةُ بِنَائِهَا وَهَوَائِهَا؟ الْأَوَّلُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَوَّى بَيْنَ دَاخِلِ الْبَيْتِ وَظَهْرِهِ لِوُجُودِ الْهَوَاءِ، وَالثَّانِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَسَوَّى بَيْنَ جُزْءِ الْبِنَاءِ دَاخِلَ الْبَيْتِ.

وَعَلَى ظَهْرِهِ، وَالثَّالِثُ مَذْهَبُنَا وَهُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ النُّصُوصِ، فَإِنَّ جُزْءَ الْبِنَاءِ لَا يُسَمَّى بِنَاءً وَلَا كَعْبَةً وَأَبْعَدُ مِنْهُ جُزْءُ الْهَوَاءِ انْتَهَى. وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَبْلَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلَوْ تَنَفَّلَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي خَارِجِ الْكَعْبَةِ إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ وَوَلَّاهَا ظَهْرَهُ لَعُوقِبَ انْتَهَى، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ هَذَا الْعُمُومُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ صَلَّى بِمَكَّةَ إلَى الْحِجْرِ فَقِيلَ: لَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَقِيلَ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَذَلِكَ فِي مِقْدَارِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِنَّمَا زِيدَ فِيهِ لِئَلَّا يَكُونَ مَرْكَنًا فَيُؤْذِي الطَّائِفِينَ انْتَهَى، وَذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ مُخْتَصَرًا قَالَ: وَحَكَى فِي الْبَيَانِ فِي التَّوَجُّهِ إلَيْهِ قَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْقَوْلَيْنِ هُمَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَ وَفِي مَنَاسِكَ ابْنِ جَمَاعَةَ الْكَبِيرِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الْعَاشِرِ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّي الْحِجْرَ وَلَمْ يَسْتَقْبِلْ الْكَعْبَةَ الشَّرِيفَةَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَيْهِ مُصَلٍّ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ إعَادَةً فِي مِقْدَارِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَة فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَالْحِجْرِ لَا يُصَلَّى إلَى الْحِجْرِ فَانْظُرْهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَيِّ جِهَةٍ رَاجِعٌ لِلْكَعْبَةِ وَنَصُّهُ قَوْلُهُ لِأَيِّ جِهَةٍ أَيْ وَلَوْ جِهَةُ بَابِهَا وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُصَلِّي إلَى جِهَةِ بَابِهَا، قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَاسْتُحِبَّ أَيْضًا أَنْ يُصَلِّيَ إلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي جَاءَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى إلَيْهَا انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ لِأَيِّ جِهَةٍ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْهُ اسْتِحْبَابُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَى الْبَابِ وَفِي الْبَيَانِ رَأَى مَالِكٌ أَوَّلًا الصَّلَاةَ فِيهَا إلَى أَيِّ نَوَاحِيهَا شَاءَ إذْ لَا فَرْقَ ثُمَّ اُسْتُحِبَّ الصَّلَاةُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي جَاءَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إلَيْهَا انْتَهَى. وَكَلَامُ الْبَيَانِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ هُوَ فِي رَسْمِ الْقَرِينَانِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ تَخْيِيرَهُ الرَّاكِعَ فِيهِ فِي أَيِّ نَوَاحِيه ثُمَّ رَجَعَ إلَى اسْتِحْبَابِ جَعْلِ الْبَابِ خَلْفَهُ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ فَانْظُرْ - رَحِمَك اللَّهُ - بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ وَتَأَمَّلْ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَيِّ جِهَةٍ عَلَى أَنَّهُ عَائِدٌ لِلْحِجْرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الصِّحَّةِ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَكَلَّمُ فِي الْجَوَازِ ابْتِدَاءً

<<  <  ج: ص:  >  >>