للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ اسْتِقْبَالِهِ إنَّمَا هُوَ لِلَّخْمِيِّ وَلَمْ يُرَجِّحْهُ أَحَدٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْبِسَاطِيُّ وَلَا نَعْلَمُ فِي الْمَذْهَبِ شَيْئًا يُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنُ جَمَاعَةَ رَجُلٌ ثِقَةٌ فِي النَّقْلِ وَأَيْضًا فَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ لَنُقِلَ بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ بِمَكَّةَ وَكَانَتْ قِبْلَتُهُ إلَى الشَّامِ كَانَ يُحِبُّ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ فَكَانَ يُصَلِّي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ فَإِذَا كَانَ يُحِبُّ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَهَا وَهِيَ غَيْرُ قِبْلَةٍ فَكَيْفَ يُمْكِنُ اسْتِدْبَارُهَا مَعَ كَوْنِهَا قِبْلَةً وَأَيْضًا فَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي بَابِ الْقِبْلَةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْيَقِينِ تَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ فَكَيْفَ يَتْرُكُ الْقِبْلَةَ الْمَقْطُوعَ بِهَا وَيُصَلِّي إلَى مَا لَا يُقْطَعُ بِهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَاخْتَلَفَتْ الْآثَارُ فِي قَدْرِهِ وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأُدِينُ اللَّهَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ وَيَسْتَقْبِلَ الشَّامَ أَوْ يَجْعَلَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الشَّرْقَ أَوْ الْغَرْبَ وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيُنْهَى عَنْهُ مَنْ فَعَلَهُ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَازَتْ سُنَّةً فِيهَا وَفِي الْحِجْرِ لِأَيِّ جِهَةٍ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ فِي الْكَعْبَةِ الْمَذْكُورَةِ قِيلَ وَفِي الْحِجْرِ لِأَنَّهُ مِنْهَا لِأَيِّ جِهَةٍ كَانَ لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بَعْضًا مِنْهَا عَلَى كُلِّ وَجْهٍ انْتَهَى كَلَامُهُ، هَذَا مُشْكِلٌ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِأَيِّ جِهَةٍ عَائِدٌ عَلَى الْحِجْرِ وَالْكَعْبَةِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ الْبِسَاطِيُّ فِي آخِرِ فَصْلِ الِاسْتِقْبَالِ كَلَامًا أَشَدَّ مِنْ الْأَوَّلِ فَانْظُرْهُ.

ص (لَا فَرْضٌ فَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ)

ش: يَعْنِي لَا يُصَلَّى فِيهَا وَلَا فِي الْحِجْرِ فَرْضٌ وَهَلْ النَّهْيُ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ الْكَرَاهَةِ؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا يَجُوزُ الْفَرْضُ وَلَا السُّنَنُ وَلَا النَّافِلَةُ الْمُؤَكَّدَةُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيِّ: كَرِهَ الْفَرْضَ فِيهَا مَالِكٌ وَأَعَادَهُ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْمُسَمَّى شِفَاءَ الْغَرَامِ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ لَا تَصِحُّ فِي الْكَعْبَةِ وَأَنَّ مَنْ صَلَّاهَا فِيهَا أَعَادَ الصَّلَاةَ وَاخْتَلَفَ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ فِي الْإِعَادَةِ هَلْ تَكُونُ فِي الْوَقْتِ أَوْ أَبَدًا انْتَهَى، وَهُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْبَيْتِ كَمَا يَقُولُ فِي الْحِجْرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ صَلَّى مُلَاصِقًا لِلْبَيْتِ بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا رَكَعَ صَارَ رَأْسُهُ وَصَدْرُهُ عَلَى الشَّاذَرْوَانَ فَهَلْ يُعِيدُ أَوْ لَا؟ يُعِيدُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُعِيدُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُعِيدُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ هَلْ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ أَوْ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ؟ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ فَرِيضَةً أَعَادَ فِي الْوَقْتِ كَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ شَبَّهَ هَذِهِ بِتِلْكَ وَتِلْكَ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (وَبَطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا)

ش اتَّفَقَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَة عَلَى نَقْلِ الْمَنْعِ فِيهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ التَّنَفُّلَ فَوْقَهَا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْفَرْضُ عَلَى ظَهْرِهَا مَمْنُوعٌ ابْنُ حَبِيبٍ وَالنَّفَلُ الْجَلَّابُ لَا بَأْسَ بِنَفْلِهِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَرَامِ: وَأَمَّا النَّافِلَةُ عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ فَلَا تَصِحُّ عَلَى مُقْتَضَيْ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>