للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُغَيِّرْهُ ثُمَّ حَلَّ فِيهِ مَا هُوَ طَاهِرٌ كَاللَّبَنِ وَنَحْوِهِ فَغَيَّرَهُ فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الْمُسْتَحْسَنِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ الْإِضَافَةُ ثُمَّ حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ كَانَ نَجِسًا لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُضَافَ وَالْمَائِعَاتِ لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي وَالشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ الْمَاءَ الْيَسِيرَ إذَا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَلِذَلِكَ قَالَ عَلَى الْمُسْتَحْسَنِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَإِنَّهُ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّادِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ حُكْمَ الْمَاءِ حُكْمُ مَا غَيَّرَهُ فَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَالْمَاءُ نَجِسٌ وَإِنْ كَانَ الْمُغَيِّرُ طَاهِرًا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ مَا نَصَّهُ وَانْظُرْ إذَا خَالَطَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا يَنْضَحُ فَيَكُونُ الْمَاءُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ تَغَيَّرَ بِمَا وَقَعَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُشَكُّ أَيْضًا فِي الْمُغَيِّرِ هَلْ هُوَ مِمَّا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ أَمْ لَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّابِعُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ حَتَّى اسْتَنْقَعَ مِنْ الْمَطَرِ شَيْءٌ قَلِيلٌ فَلْيَتَوَضَّأْ مِنْهُ وَإِنْ جَفَّ تَيَمَّمَ بِهِ وَإِنْ خَافَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ زِبْلٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ نَاجِي هَذَا فِي الْفَلَوَاتِ وَأَمَّا فِي طُرُقِ الْمُدُنِ فَلَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا النَّجَاسَةُ انْتَهَى

ص (وَيَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرٍ بِحَبْلِ سَانِيَةٍ)

ش: لَمَّا دَلَّ كَلَامُهُ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ التَّغَيُّرِ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ كَمَا ذَكَرْنَا نَبَّهَ هُنَا عَلَى أَنَّ حَبْلَ السَّانِيَةِ لَا يَسْلُبُ الْمَاءَ الطَّهُورِيَّةَ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ مِنْهُ تَغَيُّرًا بَيِّنًا وَالسَّانِيَةُ الْحَبْلُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ وَفِي الْمَثَلِ سَيْرُ السَّوَانِي سَفَرٌ لَا يَنْقَطِعُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ إلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَأَمَّا الْمَاءُ يُسْتَقَى بِالْكُوبِ الْجَدِيدِ فَلَا يَجِبُ الِامْتِنَاعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّهَارَةِ إلَّا أَنْ يَطُولَ مُكْثُ الْمَاءِ فِي الْكُوبِ أَوْ طَرْحُ الْحَبْلِ فِيهِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ مِنْ ذَلِكَ تَغَيُّرًا بَيِّنًا فَاحِشًا انْتَهَى. لَكِنْ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ أَنَّ السَّانِيَةَ لَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ فَرَضَ ذَلِكَ فِي حَبْلِ الِاسْتِقَاءِ وَهُوَ أَعَمُّ ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَ الْأَجْوِبَةِ السَّابِقِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَكَذَا فَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَامًّا فَقَالَ: وَفِي طَهُورِيَّةِ الْمُتَغَيِّرِ بِحَبْلِ اسْتِقَائِهِ ثَالِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ تَغَيُّرًا فَاحِشًا الْأَوَّلُ لِابْنِ زَرْقُونٍ وَالثَّانِي لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالثَّالِثُ لِفَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُغَيَّرِ بِهِ وَبِالْكُوبِ انْتَهَى. فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِحَبْلِ السَّانِيَةِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِحَبْلِ اسْتِقَائِهِ كَانَ أَحْسَنَ وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ حَبْلِ السَّانِيَةِ وَحَبْلِ الْبِئْرِ وَجَعَلَ الصَّحِيحَ فِي حَبْلِ السَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ قَالَ: بِخِلَافِ حَبْلِ الْبِئْرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ فِي حَبْلِ الْبِئْرِ بَلْ يُرْبَطُ فِي الدَّلْوِ مِقْدَارُ مَا يَحِلُّ فِي الْمَاءِ مِنْ حَبْلٍ قَدِيمٍ.

وَأَمَّا حَبْلُ السَّانِيَةِ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لِحُلُولِهِ كُلِّهِ فِي الْمَاءِ، قَالَ: وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَهَذَا فِي السَّانِيَةِ الَّتِي تَدُورُ بِالْقَوَادِيسِ وَأَمَّا الَّتِي تَذْهَبُ بِالدَّوَابِّ وَتَجِيءُ فَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ أَيْضًا بِرَبْطِ حَبْلٍ فِي طَرَفِ الْحَبْلِ الْجَدِيدِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) : وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَفِيهِ تَضْيِيقٌ وَحَرَجٌ وَالظَّاهِرُ مَا تَقَدَّمَ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِالْحَبْلِ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ أَوْ بِالدَّلْوِ أَوْ بِالْكُوبِ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ فَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُهُ إلَّا إذَا طَالَ مُكْثُهُ فِي الْمَاءِ حَتَّى تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا فَاحِشًا وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْإِنَاءُ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ مِنْ قَرَارِ الْأَرْضِ كَالْإِنَاءِ الْمَصْنُوعِ مِنْ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالْفَخَّارِ فَهَذَا لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِهِ وَلَوْ كَانَ فَاحِشًا كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الشَّبِيبِيُّ فِي مَاءِ الْقِرْبَةِ وَالْبِئْرِ يَتَغَيَّرُ بِمَا يُصْلِحُهُ مِنْ الدِّبَاغِ وَالطَّرْفَاءِ أَوْ نَحْوِهِ أَنَّهُ طَهُورٌ وَغَيْرُهُ أَحْسَنُ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ انْتَهَى.

(قُلْتُ) : مَا ذَكَرَهُ فِي مَاءِ الْقِرْبَةِ بِتَغَيُّرٍ مِنْ الدِّبَاغِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ فِيهِ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْبَيِّنِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الدَّلْوِ لِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا ضَرُورَةُ الِاسْتِقَاءِ وَأَمَّا مَاءُ الْبِئْرِ إذَا تَغَيَّرَ بِالطَّرْفَاءِ وَنَحْوِهِ فَسَيَأْتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>