للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ طَهُورٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِعَدَمِ مَا يُطْوَى بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (كَغَدِيرٍ بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ أَوْ بِئْرٍ بِوَرِقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ وَالْأَظْهَرُ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا الْجَوَازُ)

ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَضُرُّ فِيهِمَا إلَّا التَّغَيُّرُ الْبَيِّنُ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ رَاجِعًا لِمُجَرَّدِ التَّغَيُّرِ لَا لِقَيْدِ كَوْنِهِ بَيِّنًا كَالْمُشَبَّهِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُسَاعِدُ لِلنُّقُولِ أَلَا تَرَاهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا قَوْلًا بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْبَيِّنِ وَغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ.

(قُلْتُ) : أَمَّا مَسْأَلَةُ الْغَدِيرِ تَرِدُهُ الْمَاشِيَةُ فَتَبُولُ فِيهِ وَتَرُوثُ فِيهِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ فَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ: الْأُولَى ذَلِكَ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فَيَكُونُ الْمَاءُ غَيْرَ مُطَهِّرٍ يَتَيَمَّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَعَادَ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُحَرِّمَهُ فَحَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ وَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ، قَالَ: فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ وَتُسْتَحْسَنُ الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ، قَالَ: وَإِنْ عُدِمَ غَيْرُهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى التَّيَمُّمِ وَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ لَكِنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ أَجْزَاءُ الْمُخَالِطِ أَقَلَّ مِنْ الْمَاءِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ: وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ فِيهِ مَالِكٌ لِاشْتِبَاهِ أَمْرِهِ هَلْ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَمْ لَا وَهَكَذَا قَالَ فِي الْمُنْتَقَيْ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ رِوَايَةَ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ: وَمَعْنَى ذَلِكَ لَهُ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْهُ انْتَهَى.

وَاخْتَصَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَرَوَى ابْنُ غَانِمٍ فِيمَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ بِبَوْلِ مَاشِيَةٍ تَرَدُّدٌ وَرَوْثِهَا لَا يُعْجِبُنِي الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا أُحَرِّمُهُ الْبَاجِيُّ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ قَلِيلٍ وَجَعَلَ فِي سَلْبِ طَهُورِيَّتِهِ وَطَهَارَتِهِ قَوْلَيْنِ وَتَبِعَهُ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى.

(قُلْتُ) : إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّ اللَّخْمِيَّ وَابْنَ رُشْدٍ ذَكَرَا الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَقَدْ سَبَقَ كَلَامُهُمَا فِي ذَلِكَ فَانْظُرْ آفَةَ الِاخْتِصَارِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَدِيرِ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ بَيِّنًا أَمْ لَا عَلَى مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَبِلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبِئْرِ تَتَغَيَّرُ بِوَرِقِ الشَّجَرِ وَالتِّبْنِ الَّذِي أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِيهَا فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّ التَّغَيُّرَ الْبَيِّنَ يَضُرُّ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْبَيِّنِ لَا يَضُرُّ، وَالثَّانِي وَعَزَاهُ لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ التَّغَيُّرَ بِهِمَا أَيْ بِوَرِقِ الشَّجَرِ وَالتِّبْنِ لَا يَضُرُّ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ بَيِّنًا أَوْ غَيْرَ بَيِّنٍ مَفْهُومُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ فِي بِئْرِ الْحَاضِرَةِ بَيِّنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَيِّنٍ هَذَا حَلُّ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلْتُ عَنْ آبَارِ الصَّحَارِي الَّتِي تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى طَيِّهَا بِالْخَشَبِ لِعَدَمِ مَا تُطْوَى بِهِ سِوَى ذَلِكَ فَيَتَغَيَّرُ لَوْنُ الْمَاءِ وَرِيحُهُ وَطَعْمُهُ مِنْ ذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ بِهِ؟ فَأَجَبْتُ بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ ثُمَّ سُئِلْتُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ عَنْ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا أَجَبْتُ بِهِ لِمُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَ فِيهِ فَذَكَرَ احْتِجَاجَهُ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ آبَارَ الصَّحَارِي لَمَّا كَانَتْ لَا يُسْتَغْنَى فِيهَا عَنْ الْخَشَبِ وَالْعُشْبِ اللَّذَيْنِ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى طَيِّهَا بِهِمَا صَارَ ذَلِكَ كَتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ مِنْ الطُّحْلُبِ وَالْحَمْأَةِ وَنَحْوِهِمَا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ لَا يَصِحُّ بِذَلِكَ هَذَا بَعِيدٌ كَنَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْغُدْرَانِ بِمَا يَسْقُطُ فِيهِ مِنْ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ النَّابِتَةِ عَلَيْهِ وَاَلَّتِي جَلَبَتْهَا الرِّيحُ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ بِهِ وَهَذَا مِنْ الشُّذُوذِ الْخَارِجِ عَنْ أَصْلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمِيَاهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ انْتَهَى.

وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْإِبْيَانِيَّ فَقَدْ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>