حَيْثُ يَرْجُو إدْرَاكَ الصَّلَاةِ فِيهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ الْمُفَضَّلَةِ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا وَلِيُصَلِّ وَحْدَهُ فِيهَا فَإِنَّ صَلَاتَهُ فِيهَا فَذًّا خَيْرٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا انْتَهَى.
، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى مَعَ الْوَاحِدِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ لِفَضْلِ تِلْكَ الْبِقَاعِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: خِلَافُهُ انْتَهَى.
وَنَصُّ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ قَالَ: مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا وَاحِدٌ، فَلَا يُعِيدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ صَلَّى جَمَاعَةً بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَهُمْ، وَذَلِكَ لِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: يُخَالِفُ مَا قَالَ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ إعَادَةَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ الْمَذْهَبِيَّةِ، وَلَا يَسْتَفْصِلُ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّلَاةَ فُرَادَى فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِيمَنْ تَفُوتُهُ جَمَاعَةُ الْمَسْجِدِ: إنَّهُ يَخْرُجُ إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَبْعُدُ فِي هَذَا أَنْ يُعِيدَهَا فِي جَمَاعَةٍ مَنْ جَمَعَ فِي غَيْرِهَا، وَلَهُ وَجْهٌ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ لَمَّا تَضَاعَفَتْ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً أُعِيدَتْ صَلَاةُ الْفَذِّ فِي جَمَاعَةٍ لِتَحْصِيلِ هَذَا التَّضْعِيفِ فَكَيْفَ بِمَا يُضَاعَفُ أَلْفَ ضِعْفٍ انْتَهَى.
فَانْظُرْ قَوْلَ الْقَاضِي سَنَدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا اللَّخْمِيُّ مَعَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي ذَلِكَ لِمَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَادِرِ وَلِذَا اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ بَشِيرٍ وَمَنْ تَبِعَهُ لِعَزْوِهِمْ ذَلِكَ لِابْنِ حَبِيبٍ مَعَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْأُمِّ، وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّهَا قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَتَى الرَّجُلُ الْمَسْجِدَ، وَقَدْ صَلَّى أَهْلُهُ، وَطَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ جَمَاعَةً أُخْرَى مِنْ النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ غَيْرِ مَسْجِدٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى تِلْكَ الْجَمَاعَةِ قَالَ، وَإِنْ أَتَى قَوْمٌ، وَقَدْ صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ فَيُجْمِعُوا، وَهُمْ جَمَاعَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ، فَلَا يَخْرُجُوا وَلْيُصَلُّوا وُحْدَانًا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ أَعْظَمُ أَجْرًا لَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ فِي الْجَمَاعَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَرَى مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِثْلَهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ قَالَ دَخَلْت مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَسْجِدَ الْجُحْفَةَ، وَقَدْ فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالُوا: أَلَا نُجْمِعَ الصَّلَاةَ فَقَالَ سَالِمٌ: لَا تُجْمَعُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ انْتَهَى.
لَفْظُ الْأُمِّ (الثَّانِي) قَالَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قَالَ شُيُوخُنَا: مَعْنَاهُ لِمَنْ قَدْ دَخَلَ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا، وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ حَتَّى صَلَّى أَهْلُهُ لَهُ أَنْ يُجْمِعَ تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ دَخَلَ انْتَهَى.
، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي (قُلْت) ظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَلْيُصَلُّوا فِيهِ أَفْذَاذًا، وَهُوَ أَعْظَمُ لِأَمْرِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ الدُّخُولَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ وَيُصَلِّي فِيهِ مُنْفَرِدًا، وَلَا يُصَلِّي دُونَهُ فِي جَمَاعَةٍ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَهَا انْتَهَى.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: أَنْ يَخْرُجُوا انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: لَوْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ صَحِيحَةٌ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ إعَادَتُهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَأْمُومَ مُحْدِثٌ، فَهَلْ يُعِيدُ الْإِمَامُ فِي جَمَاعَةٍ أَمْ لَا قَوْلَانِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْجُزُولِيُّ إذَا ذَكَرَ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ صَلَّى بِلَا وُضُوءٍ فَإِنَّ الْإِمَامَ يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ، وَبَعْضُهُمْ تَوَقَّفَ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ السَّهْوِ: وَإِنْ بَعْدَ شَهْرٍ هَلْ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَذًّا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (أَنْ يُعِيدَ مُفَوِّضًا