للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْجِدِ وَسُجُودُهُ فِي الطَّاقِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ فِي الطَّاقِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الِانْفِرَادُ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَمْ يَزَلْ عَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ انْتَهَى.

ص (وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ الرَّاتِبِ، وَإِنْ أَذِنَ)

ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ.

(فَرْعٌ) مُهِمٌّ اُخْتُلِفَ فِي جَمْعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي مَقَامَاتِهِمْ الْمَعْهُودَةِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ فَيَكُونُ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَمَنْ بَعْدَهُ حُكْمُهُ حُكْمُ إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ أَوْ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ فِي الْكَرَاهَةِ بَلْ رُبَّمَا انْتَهَى إلَى الْمَنْعِ لِمَا سَيَأْتِي، أَوْ صَلَاتُهُمْ جَائِزَةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَمَقَامَاتُهُمْ كَمَسَاجِدَ مُتَعَدِّدَةٍ فَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا بِأَنَّ صَلَاتَهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ جَائِزَةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا إذْ مَقَامَاتُهُمْ كَمَسَاجِدَ مُتَعَدِّدَةٍ لِأَمْرِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ وَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ فَقَدْ زَالَتْ الْعِلَّةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا كُرِهَ أَنْ تُصَلِّي جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ، وَذَكَرَ أَجْوِبَتَهُمْ بِلَفْظِهَا وَهُمْ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَطَاءِ اللَّهِ شَارِحُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْقُرْطُبِيُّ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَعِيدٌ الرَّبَعِيُّ أَحَدُ قُضَاةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَقَاضِي قُضَاةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ رَشِيقٍ، قَالَ وَكَانَ مِمَّنْ جَمَعَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ وَالتَّقْوَى، وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَرْجَانِيُّ وَالشَّيْخُ حَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْمَخِيلِيُّ، وَكَانَ الِاسْتِفْتَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْمِائَةِ السَّابِعَةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَوَقَفْت بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة عَلَى تَأْلِيفٍ يُخَالِفُ مَا أَفْتَى بِهِ الْجَمَاعَةُ وَأَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ هُوَ إمَامُ الْمَقَامِ وَلَا أَثَرَ لِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ فِي رَفْعِ الْكَرَاهَةِ الْحَاصِلَةِ فِي جَمْعِ جَمَاعَةٍ بَعْدَ جَمَاعَةٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا، وَلَمْ يَحْضُرْنِي الْآنَ اسْمُ مُؤَلَّفِهِ - رَحِم اللَّهُ الْجَمِيعَ - انْتَهَى.

(قُلْت) قَدْ وَقَفْت عَلَى تَأْلِيفَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَحَدِهِمَا - لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُبَابِ السَّعْدِيِّ الْمَالِكِيِّ، وَالثَّانِي مِنْهُمَا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي إبْرَاهِيمَ الْغَسَّانِيِّ الْمَالِكِيِّ فَأَمَّا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُبَابِ فَذَكَرَ أَنَّهُ أَفْتَى فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِمَنْعِ الصَّلَاةِ بِأَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَجَمَاعَاتٍ مُتَرَتِّبَةٍ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ الْأَرْبَعَةِ.

وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ عُلَمَاءِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ وَهُمْ شَدَّادُ بْنُ الْمُقَدِّمِ وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَتِيقٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ بْنُ عَوْفٍ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ وَبَالَغَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَجَعَ عَمَّا أَفْتَى بِهِ لَمَّا وَقَفَ عَلَى كَلَامِهِ، وَقَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ: قَوْلُهُمْ " إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا " خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ، وَإِنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةً؛ لِأَنَّ الَّذِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْجِدٍ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ أَوْ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ جَمَاعَةً ثُمَّ جَاءَ آخَرُونَ فَأَرَادُوا إقَامَةَ تِلْكَ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فَأَمَّا حُضُورُ جَمَاعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَيَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيُصَلِّي وَأُولَئِكَ عُكُوفٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُوهُمْ إلَى ذَلِكَ تَارِكُونَ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ مُتَشَاغِلُونَ بِالنَّوَافِلِ وَالْحَدِيثِ حَتَّى تَنْقَضِيَ صَلَاةُ الْأَوَّلِ.

ثُمَّ يَقُومُ الَّذِي يَلِيهِ وَتَبْقَى الْجَمَاعَةُ الْأُخْرَى عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يُصَلُّونَ أَوْ تَحْضُرُ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ كَالْمَغْرِبِ فَيُقِيمُ كُلُّ إمَامٍ الصَّلَاةَ جَهْرًا يَسْمَعُهَا الْكَافَّةُ وَوُجُوهُهُمْ مُتَرَائِيَةٌ وَالْمُقْتَدُونَ بِهِمْ مُخْتَلِطُونَ فِي الصُّفُوفِ وَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ قِرَاءَةَ الْآخَرِينَ وَيَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ فَيَكُونُ أَحَدُهُمْ فِي الرُّكُوعِ وَالْآخَرُ فِي الرَّفْعِ مِنْهُ وَالْآخَرُ فِي السُّجُودِ فَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ وَأَقَلُّ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةً فَقَوْلُ الْقَائِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>