للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّهَا جَائِزَةٌ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا " خَرْقٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَالسَّادِسِ إلَى حِينِ ظُهُورِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ: وَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَرَدَّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ.

فَأَمَّا أَحْمَدُ فَكَفَانَا فِي الْمَسْأَلَةِ مُهِمَّةٌ فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ إقَامَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِجَمَاعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَقَدْ حُكِيَ لَكَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْي الَّذِينَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ إقَامَةَ صَلَاةٍ بِإِمَامَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا إقَامَةُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِإِمَامَيْنِ رَاتِبَيْنِ يَحْضُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِمَامَيْنِ فَيَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الَّذِي رُتِّبَ لِيُصَلِّيَ أَوَّلَ وَتَجْلِسُ الْجَمَاعَةُ الْأُخْرَى وَإِمَامُهُمْ عُكُوفًا حَتَّى يَفْرَغَ الْأَوَّلُ ثُمَّ يُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ فَهَذَا مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.

وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَحْكِيَ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا فِعْلًا وَلَا قَوْلًا فَكَيْفَ بِإِمَامَيْنِ يُقِيمَانِ الصَّلَاةَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَيُكَبِّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَهْلُ الْقُدْوَةِ مُخْتَلِطُونَ وَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ قِرَاءَةَ الْآخَرِ فَهَؤُلَاءِ زَادُوا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي لِسَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا وَمُخَالَفَةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» وَاَللَّهِ لَمْ يَرْضَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُتَنَفِّلَيْنِ تَنَفُّلًا فِي الْمَسْجِدِ، بَلْ لَمْ يَرْضَهُ لِمُقْتَدٍ اقْتَدَى بِهِ فَصَلَّى خَلْفَهُ فَكَيْفَ يَرْضَى ذَلِكَ لِإِمَامَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ هَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُ لَهُ نَظِيرًا فِي قَدِيمٍ وَلَا حَدِيثٍ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَأَمَّا إقَامَةُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَسْتَحْسِنْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ اسْتَقْبَحَهَا كُلُّ مَنْ سُئِلَ عَنْهَا وَمِنْهُمْ مِنْ بَادَرَ بِالْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إذْنُ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ فَلَا يُصَيِّرُهُ جَائِزًا كَمَا لَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلْمَالِكِيِّ فِي بَيْعِ النَّبِيذِ أَوْ التَّوَضُّؤِ بِهِ أَوْ فِي أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا وَلَا يَقْرَأُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " أَوْ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيَّ وَالشَّيْخَ يَحْيَى الزَّنَاتِيَّ أَنْكَرَا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَإِنَّهُمَا لَمْ يُصَلِّيَا خَلْفَ إمَامِ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْحَرَمِ الشَّرِيفِ رَكْعَةً وَاحِدَةً، قَالَ وَكَانَ إمَامُ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرَ مَغْمُوصٍ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ، وَهُوَ رَزِينٌ فِي أَيَّامِ الزَّنَاتِيِّ وَالْقَابِسِيُّ فِي أَيَّامِ الطُّرْطُوشِيِّ، ثُمَّ قَالَ وَحَالُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ مَشْهُورٌ عَنْ أَقْرَانِنَا وَمَنْ قَبْلَنَا بِيَسِيرٍ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ وَرَدُوا إلَى مَكَّةَ فِي سَنَةِ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا صَلَاةَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مُتَرَتِّبِينَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَعْهُودَةِ، وَإِنَّهُ عَرَضَ مَا أَمْلَاهُ فِي عَدَمِ جَوَازِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَأَنْكَرَ إقَامَتَهَا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّهُمْ وَافَقُوهُ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى مُخْتَصَرًا غَالِبُهُ بِالْمَعْنَى

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْغَسَّانِيُّ: إنَّ افْتِرَاقَ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ عَلَى أَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ: إمَامٍ سَاجِدٍ وَإِمَامٍ رَاكِعٍ وَإِمَامٍ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يُوجَدْ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَا أَذِنَ بِهِ أَحَدٌ بَعْدَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا مَنْ صَحَّتْ عَقِيدَتُهُ وَلَا مَنْ فَسَدَتْ لَا فِي سَفَرٍ وَلَا فِي حَضَرٍ وَلَا عِنْدَ تَلَاحُمِ السُّيُوفِ وَتَضَامِّ الصُّفُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ لِمَنْ تَقَدَّمَ فَيَكُونُ لَهُ بِهِ أُسْوَةٌ انْتَهَى.

وَسُئِلَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ عَنْ إقَامَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْقَائِلُ فِي السُّؤَالِ: إنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ وَلَا الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَلَا فِي زَمَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَعَنْ قَوْلِ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة: إنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كَأَرْبَعَةِ مَسَاجِدَ، وَإِنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: ١] وَلِقَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» وَلَمْ يَقُلْ الْمَسَاجِدَ الْحَرَامَ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ صَلَاةَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَغْرِبَ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْبِدَعِ الْفَظِيعَةِ وَالْأُمُورِ الشَّنِيعَةِ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>