للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسَاجِدَ اللَّه» قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ إبَاحَةٌ لِخُرُوجِهِنَّ وَحَضٌّ أَنْ لَا يُمْنَعْنَ بِدَلِيلِ أَنْ لَا يَخْرُجْنَ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، ثُمَّ قَالَ عَنْ الْقَاضِي وَشَرَطَ الْعُلَمَاءُ فِي خُرُوجِهِنَّ أَنْ يَكُونَ بِلَيْلٍ غَيْرَ مُتَزَيِّنَاتٍ وَلَا مُتَطَيِّبَاتٍ وَلَا مُزَاحِمَاتٍ لِلرِّجَالِ وَلَا شَابَّةً مَخْشِيَّةَ الْفِتْنَةِ، وَفِي مَعْنَى الطِّيبِ إظْهَارُ الزِّينَةِ وَحُسْنُ الْحُلِيِّ فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ مَنْعُهُنَّ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ تُمْنَعُ الشَّابَّةُ الْجَمِيلَةُ الْمَشْهُورَةُ، قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ وَيُزَادُ لِتِلْكَ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ مَا تَتَّقِي مَفْسَدَتَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَإِذَا مُنِعْنَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَمِنْ غَيْرِهِ أَوْلَى انْتَهَى. وَفِي مَنَاسِكَ ابْنِ الْحَاجِّ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ فِيمَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَطُوفَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ لَابِسَةُ الْحُلِيِّ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهَا مَنَاجِدُ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا أَيَسُرُّكِ أَنْ يُحَلِّيَكِ اللَّهُ مَنَاجِدَ مِنْ نَارٍ قَالَتْ: لَا قَالَ: فَأَدِّ زَكَاتَهُ» ، وَالْمَنَاجِدُ الْحُلِيُّ الْمُكَلَّلُ بِالْفُصُوصِ أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَنْهَهَا عَنْ لِبَاسِهِ انْتَهَى. وَهَذَا فِيمَا لَيْسَ لَهُ صَوْتٌ وَلَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَالْمَنَاجِدُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ إلَّا الْمُتَجَالَّةَ الَّتِي انْقَطَعَتْ حَاجَةُ الرِّجَالِ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ.

(قُلْت) فَلَوْ أَنَّ بَعْضَ الشَّوَابِّ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَمَنَعَهَا زَوْجُهَا فَأَسَاءَتْ عَلَيْهِ قَالَ: يُؤَدِّبُهَا وَيَمْنَعُهَا صَحَّ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ مُزَيْنٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ وَاخْتَلَفَ التَّأْوِيلُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ هَلْ ذَلِكَ خِطَابٌ لِلْأَئِمَّةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ أَوْ خِطَابٌ لِلْأَزْوَاجِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبَاجِيُّ انْتَهَى

وَانْظُرْ الْمَدْخَلَ فِي فَصْلِ الْإِمَامِ وَنَهْيِهِ النِّسَاءَ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ وَانْظُرْ الْقُرْطُبِيَّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور: ٣٦] {رِجَالٌ} [النور: ٣٧] وَانْظُرْ ابْنَ فَرْحُونٍ وَالْجُزُولِيَّ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدُ، وَانْظُرْ شُرُوحَ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» مَا نَصُّهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَلَاةِ النَّهَارِ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ مَعَ أَنَّهُ قَدْ خَرَّجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ» ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ فِي جَمَاعَةٍ جَاءَ فِيهَا فَضْلٌ كَبِيرٌ، وَكَذَلِكَ الْمَشْيُ إلَى الْمَسَاجِدِ فَبِالنِّسَاءِ أَكْبَرُ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ كَمَا بِالرِّجَالِ وَيَرْجِعُ الْحَالُ إلَى شَأْنِ الْمَرْأَةِ، فَإِنْ عَرَفَ الرَّجُلُ مِنْهَا الدِّيَانَةَ وَالصِّحَّةَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ عَرَفَ مِنْهَا الْمَكْرَ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ لَهُ أَنَّهَا تُرِيدُ الْمَسْجِدَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ تَوَجَّهَ الْخِطَابُ إلَيْهِ فَلَهُ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ، وَقَدْ «مَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يُوجَدُ مِنْهَا رِيحُ الْبَخُورِ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ بِاللَّيْلِ» ، وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ لِلشَّابَّةِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ عَمَلِ الصَّحَابَةِ فَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَبْكَارَهُنَّ وَمَنْ ضَاهَاهُنَّ يَخْرُجْنَ إلَى الْمَسْجِدِ، وَلَوْ خَرَجَ جَمِيعُ النِّسَاءِ لَمَلَأْنَ الْمَسْجِدَ وَعَادَلْنَ الرِّجَالَ فِي ذَلِكَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَانَ يَتَّصِلُ بِهِ الْعَمَلُ فِي الْعَادَةِ وَكَرِهَ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ تَرْدَادَ الْمُتَجَالَّةِ إلَيْهِ وَرَأَى فِي غَيْرِهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، ثُمَّ قَالَ وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ خُرُوجَهُنَّ إلَيْهَا جَائِزٌ وَتَرْكَهُ أَحَبُّ عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ.

ص (وَعُلُوُّ مَأْمُومٍ، وَلَوْ بِسَطْحٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّ عُلُوَّ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي سَطْحٍ وَالْإِمَامُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَازُ ذَلِكَ فِي السَّفِينَةِ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَرَجَعَ مَالِكٌ إلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَجَائِزٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ كَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبِأَوَّلِ قَوْلِهِ أَقُولُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمْ إنَّمَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>