فِي الطِّرَازِ فَإِنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ لَا يُعْجِبُنِي عَلَى الْمَنْعِ وَذَلِكَ بَعْدَ حَمْلِ قَوْلِهِ لَا يُعْجِبُنِي عَلَى الْمَنْعِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةَ وَجَزَمَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ فِيمَنْ ابْتَدَأَهَا وَحْدَهُ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ بَلْ جَعَلَهُ غَيْرَ مَكْرُوهٍ فَقَالَ.
(فَرْعٌ) لَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مُنْفَرِدًا فَجَاءَ رَجُلٌ فَائْتَمَّ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقْصِدْ إلَى الْعَبَثِ وَالتَّكَبُّرِ انْتَهَى.
وَصَرَّحَ سَنَدٌ أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ دَعَتْ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ (فَرْعٌ) وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَى ذَلِكَ الضَّرُورَةُ، فَأَمَّا إنْ دَعَتْ فَلَا بَأْسَ بِهِ رَوَى عَلِيٌّ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِمَامِ يُصَلِّي فِي السَّفِينَةِ وَبَعْضُهُمْ فَوْقَهُ وَبَعْضُهُمْ تَحْتَهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَجِدُوا بُدًّا فَذَلِكَ جَائِزٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَزْمٍ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ.
وَإِنْ ضَاقَ الْمَوْضِعُ وَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي مُرْتَفِعٍ وَلَا يَسَعُ زِيَادَةً عَلَيْهِ جَازَ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْكِبْرَ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا لِكَرَاهَةٍ وَلَا يَأْبَى ذَلِكَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي بِالْبَاءِ وَاَلَّتِي بِاللَّامِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا عَكْسُهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا أَوْ مَمْنُوعًا، وَهُوَ الَّذِي يُوَافِقُ قَوْلَهُ أَوَّلًا فِي الْمَكْرُوهَاتِ وَاقْتِدَاءُ مَنْ بِأَسْفَلِ السَّفِينَةِ بِمَنْ بِأَعْلَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَكَلَامُ ابْنِ نَاجِي الْمَذْكُورُ هُنَاكَ يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ دُخُولِ السُّيُولِ لَهُ فَيُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى سَطْحِهِ.
وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ صَحَّ تَمْشِيَتُهُ مَعَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا عُلِمَ ذَلِكَ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِالضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَبِأَنْ يَبْتَدِئَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ وَحْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا وَبِمَا إذَا قَصَدَ التَّعْلِيمَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عِيَاضٌ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَابْنُ غَازِيٍّ عَلَى وَجْهِ التَّقْيِيدِ لِلْمَسْأَلَةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ.
وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَقَالَ قَدْ يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْعُذْرِ فِي الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا.
(الثَّانِي) فِي مَعْنَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ الْعَبَثَ: هُوَ مَا يُفْعَلُ لِقَصْدِ الْكِبْرِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ أَيْ يَقْصِدُونَ الْكِبْرَ وَالْجَبَرُوتَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَبِهِ فُسِّرَ قَوْله تَعَالَى {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ - وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} [الشعراء: ١٢٨ - ١٢٩] أَيْ تَبْنُونَ بِكُلِّ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ آيَةً أَيْ عَلَامَةً تَدُلُّ عَلَى تَكَبُّرِكُمْ تَعْبَثُونَ عَبَثًا مُسْتَغْنِينَ عَنْهُ انْتَهَى، وَقَالَ سَنَدٌ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْبِنَاءَ الْعَالِيَ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ عَبَثًا فَقَالَ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} [الشعراء: ١٢٨] وَمَوْضُوعُ الصَّلَاةِ يُنَافِي الْعَبَثَ وَالتَّكَبُّرَ فَإِنَّهَا وُضِعَتْ عَلَى التَّمَكُّنِ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْإِعَادَةُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي السَّفِينَةِ يُصَلِّي أَهْلُهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَهُوَ فَوْقُ: إنَّ الْأَسْفَلِينَ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُعِيدُ الْإِمَامُ انْتَهَى، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ، وَكَذَلِكَ هُنَا وَانْظُرْ ذَلِكَ مَعَ مَا قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَاقْتِدَاءُ مَنْ بِأَسْفَلِ السَّفِينَةِ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ السَّفِينَةِ وَغَيْرِهَا وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ فِي غَيْرِهَا لَا يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى شَرَفٍ أَوْ كُدْيَةٍ وَمَنْ خَلْفَهُ تَحْتَهُ فِي وِطَاءٍ وَذَلِكَ قَدْرٌ مُتَقَارِبٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا يُعَدُّ أَرْضًا وَاحِدَةً وَمَكَانًا وَاحِدًا سِيَّمَا إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ بِخِلَافِ السَّقْفِ وَالْأَرْضِ فَإِنَّهُمَا مَوْضِعَانِ وَمَكَانَانِ مُخْتَلِفَانِ انْتَهَى.
ص (إلَّا بِكَشِبْرٍ)
ش: يَعْنِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الِارْتِفَاعُ بِ كَشِبْرٍ، وَنَحْوُ الشِّبْرِ عَظْمُ الذِّرَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْكِبْرُ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ لَا كَمَا يَتَبَادَرُ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَسْأَلَةِ قَصْدِ الْكِبْرِ أَوْ مَوْضِعِ قَصْدِهِ الْكِبْرَ لَا تَفْصِيلَ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَهَلْ يَجُوزُ إنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ طَائِفَةٌ كَغَيْرِهِمْ تَرَدُّدٌ)
ش: يَعْنِي أَنَّ