للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَرْعَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ الَّذِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ يَعْبَثُونَ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِيهِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ صَلَاتِهِمْ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَعَ قَصْدِ الْكِبْرِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْهُ وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا أَحْدَثَهُ بَعْدَهُ بَنُو أُمَيَّةَ مِنْ التَّكَبُّرِ عَنْ مُسَاوَاةِ النَّاسِ وَكَانُوا يَتَّخِذُونَ مَوْضِعًا مُرْتَفِعًا عَنْ مَحِلِّ مَنْ يَقْتَدِي بِهِمْ تَكَبُّرًا وَعَبَثًا وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى ذَلِكَ مُحَرَّمٌ، وَأَنَّهُ مَتَى حَصَلَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا لَوْ صَلَّى الْمُقْتَدُونَ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ قَصْدًا لِلتَّكَبُّرِ عَنْ الْمُسَاوَاةِ فَإِنَّ صَلَاةَ الْقَاصِدِ إلَى ذَلِكَ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلتَّكَبُّرِ فَإِنْ كَانَ الِارْتِفَاعُ يَسِيرًا صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ الِارْتِفَاعُ كَثِيرًا فَلِلْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَانِ: صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي تَعْلِيلِ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَعْبَثُونَ، وَقِيلَ بِالْبُطْلَانِ لِعُمُومِ النَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ ابْنُ شَاسٍ إنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى أَرْفَعَ مِمَّا إمَامُهُ عَلَيْهِ أَوْ أَخْفَضَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى التَّكَبُّرِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ الِارْتِفَاعُ يَسِيرًا كَالشِّبْرِ وَعَظْمِ الذِّرَاعِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُرْتَفِعِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْبُطْلَانُ وَنَفْيُهُ وَمَأْخَذُهُمَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ الْحَدِيثُ

ص (أَوْ إلَى فَقْدِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ التَّكَبُّرُ) ش وَالتَّفْرِقَةُ فَيُعْتَبَرُ قَصْدُ التَّكَبُّرِ فِي الْمَأْمُومِ وَتَبْطُلُ عَلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قَصْدِ التَّكَبُّرِ جَمِيعًا لِلذَّرِيعَةِ، وَلَوْ قَصَدَ الْمُرْتَفِعُ مِنْهُمَا التَّكَبُّرَ لَعَصَى وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ، انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ لَفْظُ الْجَوَاهِرِ إلَّا أَوَّلَ الْكَلَامِ فَبِالْمَعْنَى وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْعُمُومَ.

وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَتَرَكَ مِنْهُ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قَصْدٍ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْإِمَامِ فِعْلٌ تَقَدَّمَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى جِهَةِ التَّكَبُّرِ فَمُنِعَ فِي الْقَاصِدِ وَغَيْرِهِ حَسْمًا لِلذَّرِيعَةِ انْتَهَى، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ بُطْلَانُ صَلَاةِ مَنْ قَصَدَ الْكِبْرَ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا، وَأَنَّهُ إنْ كَانَ إمَامًا بَطَلَتْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَفْظَ التَّهْذِيبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِعَادَةَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ.

وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ التُّونُسِيُّ، وَقِيلَ لِأَبِي عِمْرَانَ هَلْ يُعِيدُ الْإِمَامُ فَقَالَ مَا هُوَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ هُنَاكَ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ انْتَهَى، وَمَا قَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَنْ ابْتَدَأَهَا غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْكِبْرِ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ قَصَدَ الْكِبْرَ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَأْمُومِ فَقَدْ حَكَى عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِهِ نَحَا إلَى أَنَّ الْمَأْمُومِينَ لَوْ قَصَدُوا الْكِبْرَ بِفِعْلِهِمْ لَأَعَادُوا لِعَبَثِهِمْ انْتَهَى، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ بِالْبُطْلَانِ.

وَلَمْ يَحْكِيَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا كَمَا تَقَدَّمَ إذَا عَلِمْت الْحُكْمَ فِيمَا إذَا قَصَدَا الْكِبْرَ فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالْعُلُوِّ الْكِبْرَ فَالْمَأْمُومُ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِلُهُمَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى اخْتِلَافِ النُّسَخِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ الَّذِي يَأْتِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَهَذَا الَّذِي سَلَكَ يُمْكِنُ تَمْشِيَتُهُ عَلَى بَعْضِ النُّقُولِ مَا نَصَّهُ، فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي، الْإِمَامِ فَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ فَقَالَ إنَّمَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْكِبْرِ.

وَأَمَّا لَوْ ابْتَدَأَ لِنَفْسِهِ عَلَى دُكَّانٍ فَجَاءَ رَجُلٌ فَصَلَّى أَسْفَلَ مِنْهُ لَجَازَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ هُنَا لَمْ يَقْصِدْ الْكِبْرَ وَكَذَا إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِلضِّيقِ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ فِي الَّذِي ابْتَدَأَهَا وَحْدَهُ وَكَذَا حَكَى ابْنُ يُونُسَ فِي الضِّيقِ عَنْ سَحْنُونٍ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَأَخَذَهُ فَضْلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ لَكِنْ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ لَا يَدُلُّ لِمَا قَصَدَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ التُّونُسِيِّ وَاللَّخْمِيِّ وَفَضْلٍ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعًا وَيَصِحُّ فَالْأَوْلَى الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>