للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا وَفِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ فُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَيْ يُطْلَبُ حُضُورُهُمْ فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بَلْ تَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا بَاقِينَ لِسَلَامِهَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَفِي صِحَّتِهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بِمَعْنَى أَنْ يُطْلَبَ وُجُودُهُمْ فِي الْقَرْيَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ الصَّلَاةَ لَا فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى وَلَا فِي غَيْرِهَا بَلْ تَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ. وَنَصُّ كَلَامِهِ: الَّذِي يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ إقَامَتِهَا فِي الْبَلَدِ وَوُجُوبِهَا عَلَى أَهْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ هَذَا الْعَدَدِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْعِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا انْتَهَى.

وَنَحْوُ هَذَا فِي الْإِكْمَالِ وَنَصُّهُ نَاقِلًا عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَمَالِكٌ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ أَيْ الْعَدَدِ الَّذِي تُقَامُ بِهِ الْجُمُعَةُ حَدًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ مِمَّنْ يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ وَنَصْبُ لِأَسْوَاقِ عِيَاضٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ هُوَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا لَا فِي إجْزَائِهَا وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا إجَازَتُهَا مَعَ اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا لِاسْتِدْلَالِهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَحَكَى أَبُو يَعْلَى الْعَبْدِيُّ نَحْوَهُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ رَأَيْت لِمَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَلَكِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ انْتَهَى.

وَنَصُّ مَا فِي الْمُنْتَقَى: الْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَلَا حَدَّ لَهَا عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَدَدًا تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ بِانْفِرَادِهِمْ وَتُمْكِنُهُمْ الْإِقَامَةُ وَمُنِعَ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ؛ إذْ مَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُمْ وَاسْتِدْلَالُ أَصْحَابِنَا بِحَدِيثِ الْعِيرِ يَقْتَضِي إجَازَتَهُمْ لِلْجُمُعَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا مَعَ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّ هَذَا عَدَدٌ يَصِحُّ مِنْهُمْ الِانْفِرَادُ بِالِاسْتِيطَانِ فَصَحَّ أَنْ تَنْعَقِدَ بِهِمْ الْجُمُعَةُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى.

وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِتَكَلُّفٍ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَفِي صِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ إقَامَتِهَا جَمَاعَةٌ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ أَوَّلًا أَيْ فِي وُجُوبِهَا عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ وَصِحَّتِهَا مِنْهُمْ لَا فِي حُضُورِهَا وَإِلَّا فَيَجُوزُ إذَا حَضَرَهَا اثْنَا عَشَر رَجُلًا فَتَأَمَّلْهُ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاسْتَفْسَرَهُ فَقَالَ: إنْ أَرَادَ أَنَّ عَدَدَ الْجَمَاعَةِ شَرْطُ كِفَايَةٍ فِيهَا فَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا لَا فِي أَدَائِهَا فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ شَرْطٌ فِي الْأَدَاءِ وَإِلَّا أَجْزَأَ الْفِعْلُ قَبْلَ وُجُوبِهِ عَنْهُ بَعْدَهُ وَإِنْ أَرَادَ صِحَّتَهَا بِاثْنَيْ عَشَر قَبْلَ إحْرَامِهَا أَوْ بَعْدَ فَهَذَا مَا تَقَدَّمَ لِلْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ انْتَهَى.

(قُلْت) لَمْ يُرِدْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ شَرْطُ كِفَايَةٍ وَلَا أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ دُونَ الْأَدَاءِ بَلْ أَرَادَ الْوَجْهَ الثَّالِثَ وَهُوَ أَنَّ وُجُودَهُمْ فِي الْقَرْيَةِ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَفِي الْأَدَاءِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ بَلْ تَصِحُّ بِاثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ فَلَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ جَمَاعَةٌ تَتَقَرَّى بِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ ثُمَّ سَافَرَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْ تَتَقَرَّى بِهِ فَإِنْ سَافَرُوا بِنِيَّةِ الِانْتِقَالِ فَلَا إشْكَالَ فِي سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِنْ سَافَرُوا لِمَوْضِعٍ قَرِيبٍ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عَلَى الْبَاقِينَ وَقَدْ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إذَا كَانَ بِالْقَرْيَةِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ ثُمَّ تَفَرَّقُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي أَشْغَالِهِمْ مِنْ حَرْثٍ أَوْ حَصَادٍ حَتَّى لَا يَبْقَى بِهَا إلَّا الْعَدَدُ الَّذِي لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فَكَانَ الشَّيْخُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ يَقُولُ إذَا بَقِيَ مِنْهُمْ فِي الْقَرْيَةِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا جَمَعُوا انْتَهَى مُخْتَصَرًا فَتَأَمَّلْهُ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ أَيْ يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ أَيْ الْإِقَامَةُ آمِنِينَ مُسْتَغْنِينَ عَنْ غَيْرِهِمْ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ.

قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْبَاجِيُّ: لَا حَدَّ لِمَنْ يُقَامُ بِهِمْ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ بِهَا آمِنِينَ.

قَالَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>