للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجِهَاتِ فِي كَثْرَةِ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ فَفِي الْجِهَاتِ الْآمِنَةِ تَتَقَرَّى بِالنَّفَرِ الْيَسِيرِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِمَّا يُتَوَقَّعُ فِيهِ الْخَوْفُ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ الثَّوَاءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ الْحُكْمُ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ فَالْبِلَادُ الَّتِي سَلِمَتْ مِنْ الْفِتَنِ تَتَقَرَّى الْقَرْيَةُ فِيهَا بِجَمَاعَةٍ يَسِيرَةٍ فِي الْخُصُوصِ وَغَيْرُهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَقَالَ الْأَبِيُّ مَعْنَى يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ كَالرَّوْحَاءِ وَمَا أَشْبَهَهَا. وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْخُصُوصِ كَانَ عَلَيْهِمْ وَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ مَرَّةً: الْقَرْيَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْبُنْيَانِ الَّتِي فِيهَا الْأَسْوَاقُ يَجْمَعُ أَهْلُهَا، وَمَرَّةً لَمْ يَذْكُرْ الْأَسْوَاقَ انْتَهَى.

قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الصَّحِيحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْأَسْوَاقِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا مَالِكٌ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِكَثْرَةِ النَّاسِ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ فَلَوْ اجْتَمَعَ مَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ وَلَا سُوقَ عِنْدَهُمْ جَمَعُوا قَالَ وَأَمَّا اتِّصَالُ الْبُنْيَانِ فَشَرْطٌ فَلَوْ لَمْ تَتَّصِلْ كَدُورِ جِرْبَةَ وَدُورِ جِبَالِ الْغَرْبِ لَمْ يَجْمَعُوا. بِهَذَا وَقَعَتْ الْفُتْيَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا مِنْ الْقُرْبِ بِحَيْثُ يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فِي ضَرُورِيَّاتِهِمْ وَالدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ جَمَعُوا؛ لِأَنَّهُمْ وَهُمْ كَذَلِكَ بِحُكْمِ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ انْتَهَى.

(قُلْت) مَا اسْتَظْهَرَهُ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَقَالَ: وَاتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اتِّصَالِ بُنْيَانِ الْقَرْيَةِ فَإِنْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهَا بِحَيْثُ لَوْ سَافَرَ مَنْ فِي بَعْضِهَا قَصَرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَهُ وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْ الْبَاقِيَ فَهَذَا تَفْرِيقٌ كَثِيرٌ يَجْعَلُهَا فِي حُكْمِ الْقُرَى وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلَةِ وَقَدْ يَخْرَبُ بَعْضُ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ فَتَنْهَدِمُ وَتَحْتَرِقُ فَيَكُونُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْبَيْتِ هَذَا الْقَدْرُ انْتَهَى.

وَالثَّوَاءُ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمَدِّ وَأَمَّا الْتَوَى بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَالْقَصْرِ فَمَعْنَاهُ الْهَلَاكُ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ حُكْمَ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ حَيْثُ حَصَلَ لَهُمْ الْأَمْنُ بِمَحَلَّتِهِمْ وَأَمْكَنَهُمْ الْمُقَامُ بِمَوْضِعِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا مَعْنَى التَّقَرِّي وَهُوَ أَنْ تُمْكِنَهُمْ الْإِقَامَةُ آمِنِينَ مُسْتَغْنِينَ عَنْ غَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَاجِيِّ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ عَدَدٌ يَصِحُّ مِنْهُمْ الِانْفِرَادُ بِالِاسْتِيطَانِ فَصَحَّ أَنْ تَنْعَقِدَ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: وَأَمَّا الِاسْتِيطَانُ فَقَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ الْإِقَامَةُ بِنِيَّةِ التَّأْبِيدِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ الْفُرَاتِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَجِّ حَقِيقَةُ التَّوَطُّنِ الْإِقَامَةُ بِعَدَمِ نِيَّةِ الِانْتِقَالِ وَلَا يُخْرِجُهُمْ عَنْ حَقِيقَةِ الِاسْتِيطَانِ كَوْنُهُمْ يَخْرُجُونَ فِي أَيَّامِ الْمَطَرِ نَحْوَ الشَّهْرَيْنِ فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ تَعَالِيقِ أَبِي عِمْرَانَ فِي الْجَمَاعَةِ يُقِيمُونَ بِمَوْضِعٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَرْتَحِلُونَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ يُقِيمُونَ فِيهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَقَرْيَتَيْنِ إذَا حَلُّوا بِإِحْدَاهُمَا أَقَامُوا فِيهَا وَإِذَا حَلُّوا بِالْأُخْرَى أَقَامُوا فِيهَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْعُتْبِيَّةِ فِي الْقَوْمِ يَمُرُّونَ بِثَغْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ فَيُقِيمُونَ فِيهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ فَقَالَ الْبَاجِيُّ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِيطَانِ وَقَيَّدَهَا ابْنُ رُشْدٍ بِكَوْنِ أَهْلِ الثَّغْرِ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ فِيهَا اسْتِيطَانٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ أَبِي عِمْرَانَ انْتَهَى.

وَقَالُوا أَيْضًا فِي شُرُوطِ التَّمَتُّعِ فِيمَنْ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إذَا أَقَامَ فِي إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ جُعِلَ وَطَنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي الْفَتْوَى عِنْدَنَا بِإِفْرِيقِيَّةَ بِمَا فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ.

وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقِيمُهَا الثَّلَاثُونَ وَمَا قَارَبَهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا اجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ بَيْتًا» وَالْبَيْتُ مَسْكَنُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا قَارَبَهَا فَكَانَ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ يَقُولُ كَالسَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ لَا أَقَلَّ وَكَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يَقُولُ كَالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ وَالْأَقْرَبُ هُوَ الْأَوَّلُ وَبِهِ أَقُولُ.

وَاخْتُلِفَ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعَدَدِ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ كَالْمُسَافِرِينَ وَالْعَبِيدِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهَذَا إذَا كَمُلَ بِهِمْ عَدَدُ الْجَمَاعَةِ لَا أَنَّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>