للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِبُ الطِّرَازِ الَّذِي حَكَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ مُقْتَضَى الْكِتَابِ ثُمَّ جَعَلَهُ الْمَذْهَبَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَوْجِيهِهِ: وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلَمْ يُصَلِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ جُمُعَةً إلَّا بِخُطْبَةٍ فِي جَمَاعَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ؛ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ الْمَوْعِظَةُ وَالتَّذْكِيرُ وَذَلِكَ يُنَافِي كَوْنَهُ وَاحِدَةً.

(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْجَمَاعَةِ لِلْعَهْدِ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ لَا تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِهِمْ وَهُوَ الِاثْنَا عَشَرَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنْ فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ خَطَبَ وَإِلَّا انْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ.

(الثَّانِي) مِنْ شَرْطِهَا اتِّصَالُهَا بِالصَّلَاةِ وَاسْتِمَاعُهَا.

ص (وَاسْتَقْبَلَهُ غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ) ش ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ اسْتِقْبَالِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِهِ فِيهَا وَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ قَطْعُ الْكَلَامِ وَاسْتِقْبَالُهُ وَالْإِنْصَاتُ إلَيْهِ فَقَوْلُهُ مَعَ الْإِنْصَاتِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وُجُوبَ اسْتِقْبَالِ الْخَطِيبِ مَنْ بِالْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ ابْنُ حَبِيبٍ بِوُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ عَنْ مَالِكٍ كَالْإِنْصَاتِ كَظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيِّ وَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يَحْمِلُ قَوْلَهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَيَقُولُ: إنَّ الْمَذْهَبَ كَذَلِكَ انْتَهَى.

وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لَا يُحْفَظُ وُجُوبُهُ عَنْ أَحَدٍ، وَصَرَّحَ مَالِكٌ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ مَعَ الْإِمَامِ وَتَرْكُهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَلَا يُفَوِّتُ وَاجِبًا كَالنَّظَرِ إلَى الْإِمَامِ انْتَهَى.

وَيُشِيرُ بِنَصِّ مَالِكٍ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُوَطَّإِ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ مَنْ كَانَ يَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَهَا قَالَ الْبَاجِيُّ عَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَعَمَلُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتَقْبَلَهُمْ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي وَعْظِهِمْ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَقْبِلُوهُ إجَابَةً لَهُ وَطَاعَةً وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَلْزَمُ اسْتِقْبَالُ الْإِمَامِ مَنْ لَا يَسْمَعُهُ وَلَا يَرَاهُ مِمَّنْ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ وَلِلْمُسْتَقْبِلِ أَنْ يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا زَادَ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ وَإِنْ حَوَّلَ ظَهْرَهُ إلَى الْقِبْلَةِ انْتَهَى.

(قُلْت) فَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ قَوْلَ السُّنَّةِ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ حَمَلَهُ عَلَى مُوَافَقَةِ ابْنِ حَبِيبٍ فَتَحَصَّلَ فِي وُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ طَرِيقَانِ الْأَكْثَرُ عَلَى وُجُوبِهِ وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ فِي اسْتِثْنَاءِ مَنْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَجَعَلَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُ خِلَافَ الْمَذْهَبِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ الْمَغْرِبِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ السَّطِّيُّ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ كَغَيْرِهِ فَمَا ذَكَرَهُ خِلَافُهَا انْتَهَى.

(قُلْت) : وَكَلَامُ الْمُوَطَّإِ نَصٌّ أَوْ كَالنَّصِّ فِي خِلَافِ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَلَزِمَتْ الْمُكَلَّفَ وَفِي وُجُوبِ قِيَامِهِ لَهُمَا تَرَدُّدٌ)

ش: أَيْ طَرِيقَانِ: الْأَكْثَرُ عَلَى وُجُوبِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ قِيَامِ الْخَطِيبِ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً طَرِيقَانِ: الْأَكْثَرُ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ انْتَهَى.

(قُلْت) وَفِي عَزْوِهِ الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَحْدَهُ نَظَرٌ، فَقَدْ وَافَقَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى ذَلِكَ وَتَبِعَ الْقَاضِيَ عَلَى ذَلِكَ الْبَاجِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَلَزِمَتْ الْمُكَلَّفَ الْحُرَّ الذَّكَرَ بِلَا عُذْرٍ الْمُتَوَطِّنَ وَإِنْ بِقَرْيَةٍ نَائِيَةٍ)

ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ بَالِغٍ يُدْرِكُهُ الزَّوَالُ فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ غَيْرَ مُسَافِرٍ.

وَأَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ تَرَكَهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إتْيَانِهَا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ بِفِعْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاحِدًا لَهَا مُسْتَكْبِرًا عَنْهَا وَأَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ تَرَكَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَاسِقٌ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ وَقِيلَ ذَلِكَ فِيمَنْ تَرَكَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>