للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا تَقَدَّمَ وَلِصَاحِبِ الْكَافِي وَلَهُ عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ مُرَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالْمَجْمُوعِ جَمِيعُ مَا فِي الْجِرْيَةِ كَذَا فَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَكِنَّهُ اعْتَرَضَهُ وَقَالَ: الْحَقُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ مَحِلِّ سُقُوطِ النَّجَاسَةِ إلَى مُنْتَهَى الْجِرْيَةِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ مَحَلِّ السُّقُوطِ غَيْرُ مُخَالِطٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ دَعْوَاهُ أَنَّ عَزْوَ ابْنِ الْحَاجِبِ يَعْنِي مِنْ أَصْلِ الْجَرْيِ وَهْمٌ لِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِطٍ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَهُمَا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ نَقْلٌ بِالْمَعْنَى مَا نَصُّهُ: وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْنِيَ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَصْلِ الْجَرْي لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْتَبِرُهُ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلتَّكْثِيرِ بِهِ وَيَصْدُقُ عَلَى الْجَمِيعِ أَنَّهُ مُخَالِطٌ إذَا لَيْسَ مِنْ الْكَثِيرِ الْمُخَالِطِ بِمَا لَا يُغَيِّرُهُ أَنْ يُمَازِجَ الْمُخَالِطُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ إذْ ذَاكَ مُحَالٌ كَغَدِيرٍ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ بِطَرَفٍ مِنْهُ انْتَهَى.

(قُلْتُ) : وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ فَإِنَّ مَا فَوْقَ مَحِلِّ السُّقُوطِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا بَعْدَهُ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْوَاقِعُ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ فَوْقَ الْوَاقِعِ لَمْ تَضُرَّهُ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا قَالَ ابْنُ هَارُونَ: إلَّا أَنْ يَقْرَبَ مِنْهُ جِدًّا انْتَهَى.

(قُلْتُ) : وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَوْ قَرُبَ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَاءَ جَارٍ فَلَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ إلَى مَا فَوْقَ مَحِلِّ السُّقُوطِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْمَاءِ تُصِيبُهُ نَجَاسَةٌ فَتُغَيِّرُهُ: إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْجَارِي نَجَاسَةٌ فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً مَعَ الْمَاءِ فَمَا فَوْقَهَا طَاهِرٌ إجْمَاعًا وَأَمَّا الْجِرْيَةُ الَّتِي فِيهَا وَهِيَ مَا بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ عَرْضًا فَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ تَقِرُّ فِيهِ الْمَيْتَةُ لِأَنَّهُ يَتَحَرَّكُ مَعَهَا بِحَرَكَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا الْجِرْيَةُ الَّتِي تَحْتَهَا فَطَاهِرَةُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا يَلِيهَا لِأَنَّ الْمَاءَ رُبَّمَا يَسْبِقُ جَرْيُهُ جَرْيَهَا سِيَّمَا إذَا قَوِيَتْ الْأَرْيَاحُ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ قَائِمَةً وَالْمَاءُ يَجْرِي عَلَيْهَا فَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ أَصْحَابِنَا فِي بِئْرِ السَّانِيَةِ وَشَبَهُهَا مِمَّا مَاؤُهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَالْمَيْتَةُ فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَالنَّهْرُ الْجَارِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يَتَوَقَّى مَا قَرُبَ مِنْ النَّجَاسَةِ مِنْ تَحْتِ جَرْيِهَا انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا فَوْقَ النَّجَاسَةِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالنَّجَاسَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ بَعْدَ مَحِلِّ السُّقُوطِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْرِيَ الْمَاءُ بِذَلِكَ الْحَالِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِهِ فِي مَحِلِّ الْوُقُوعِ فَيَنْظُرُ إلَى مَا بَيْنَ مَحِلِّ الْوُقُوعِ وَالِاسْتِعْمَالِ فَقَدْ يَكُونُ يَسِيرًا وَقَدْ يَكُونُ كَثِيرًا وَالْمَحِلُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا أَجْرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَا يُعْتَبَرُ هُنَا الْمَجْمُوعُ مِنْ مَحِلِّ النَّجَاسَةِ إلَى آخِرِ الْجِرْيَةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَنْحَلَّ الْمُغَيِّرُ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يُنْظَرُ إلَى مَجْمُوعِ مَا بَيْنَ مَحِلِّ الْوُقُوعِ وَمَحِلِّ تَأْثِيرِ ذَلِكَ الْحَالِّ الْمُغَيِّرِ فَلَوْ كَانَ مَجْمُوعُ الْجِرْيَةِ كَثِيرًا وَمِنْ مَحِلِّ الْوُقُوعِ إلَى مَحِلِّ الِاسْتِعْمَالِ يَسِيرًا جَازَ الِاسْتِعْمَالُ لِكَوْنِ الْمُغَيِّرِ قَدْ ذَهَبَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ انْتَهَى، وَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَيُنْظَرُ إلَى مَجْمُوعِ مَا بَيْنَ مَحِلِّ الْوُقُوعِ وَالِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَلِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْأَبِيِّ وَكَذَلِكَ يُنْظَرُ لِقَوْلِهِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي مَا بَيْنَ مَحِلِّ الْوُقُوعِ وَمَحِلِّ تَأْثِيرِ ذَلِكَ الْمُغَيِّرِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إنَّ الْمُعْتَبَرَ الْجِرْيَةُ الَّتِي فِيهَا النَّجَاسَةُ وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْأَبِيِّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ مَحِلِّ النَّجَاسَةِ إلَى مُنْتَهَى الْجَرْيِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ.

وَهَذَا مَا ظَهَرَ مِنْ الْبَحْثِ فِي كَلَامِهِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَلَمْ أَرَهَا مَنْصُوصَةً لِلْمُتَقَدِّمِينَ هَكَذَا، نَعَمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كَافِيهِ إنَّ الْمَاءَ الْجَارِي إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ جَرَى بِهَا فَمَا بَعْدَهَا مِنْهُ طَاهِرٌ وَأَشَارَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَن أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» إلَى أَنَّ الْجَارِيَ كَالْكَثِيرِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) : وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، نَعَمْ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ ظَاهِرَةً فَيُعْتَبَرُ الْمَحِلُّ الَّذِي هِيَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كُرِهَ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>