للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَن أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» الَّذِي لَا يَجْرِي قَالَ عِيَاضٌ: التَّقْيِيدُ بِلَا يَجْرِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْجَارِي وَأَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ لِأَنَّ الْجَارِيَ يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ وَيَخْلُفُهَا طَاهِرٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَارِيَ كَالْكَثِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَعِيفًا يَغْلِبُهُ الْبَوْلُ وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ تَسْقُطَ النَّجَاسَةُ وَيَمُرَّ الْمَاءُ بِهَا وَبَعْضُهَا بَاقٍ بِمَحِلِّ السُّقُوطِ، فَالْمَجْمُوعُ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخَانِ فِيمَنْ تَطْهُرُ فِي خَلَلِ مَا بَيْنَهُمَا فَيَنْظُرُ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِنْهُ مَا يُتَّفَقُ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بِطَرَفِ السَّطْحِ فَيَنْزِلُ الْمَطَرُ فَيَمُرُّ مَاءُ السَّطْحِ بِتِلْكَ النَّجَاسَةِ وَيَجْتَمِعُ جَمِيعُهَا فِي قَصْرِيَّةٍ أَوْ زِيرٍ تَحْتَ الْمِيزَابِ فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا بِأَنَّهُ مِنْ صُوَرِ الْجَارِي كَالْكَثِيرِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا تَبْقَى النَّجَاسَةُ بِمَحِلِّ السُّقُوطِ فَالْمَجْمُوعُ بَيْنَ أَجْزَاءِ مَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ وَمُنْتَهَى الْجَرْيِ وَقَوْلُهُ احْتِرَازًا عَنْ مِيزَابِ السَّانِيَةِ أَيْ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ قَلِيلٌ وَإِذَا وَقَفَتْ الدَّابَّةُ انْقَطَعَ.

(السَّادِسُ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ إذَا خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ طَهُورٌ فَأَحْرَى إذَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا وَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ.

وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا إذَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ طَهُورٌ بِلَا كَرَاهَةٍ خِلَافًا لِلْقَابِسِيِّ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ يَقَعُ فِيهِ الْبُصَاقُ وَالْمُخَاطُ وَشَبَهُهُ قَالَ سَنَدٌ: وَغَيْرُهُ يُرِيدُ مَا لَمْ يَكْثُرْ حَتَّى يُغَيِّرَهُ فَيَكُونُ مُضَافًا.

وَفِي سَمَاعِ عِيسَى فِي لُعَابِ الْكَلْبِ وَالدَّابَّةِ وَالْحِمَارِ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا جَارٍ عَلَى قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِسُؤْرِهَا انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ سُؤْرِ الْكَلْبِ الْقَلِيلِ فَيُكْرَهُ وَبَيْنَ مَا أَصَابَهُ لُعَابُهُ فَلَا يُكْرَهُ.

ص (أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ إذَا وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذَّكَرِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءٍ لِأَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ أَخَفُّ مِنْ سُؤْرِ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَانَ يَرَى الْكَلْبَ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ: لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ.

وَنَقَلَهُ سَنَدٌ بِلَفْظِ وَالْكَلْبُ أَيْسَرُ مُؤْنَةً مِنْ السِّبَاعِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ بِفَضْلَةِ سُؤْرِهِ وَصَلَّى عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ قَدْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ قَالَ عَنْهُ عَلِيٌّ: وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ عَنْهُ عَلِيٌّ وَابْنُ وَهْبٍ: وَلَا يُعْجِبُنِي ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ بِهِ إنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْكَثِيرِ كَالْحَوْضِ وَنَحْوِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ يُرِيدُ وَإِنْ عَلِمَ وَتَوَضَّأَ بِهِ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ سُؤْرُ كَلْبٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَطْرَحُهُ وَيَتَيَمَّمُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلِابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يُعِيدُ الْمُتَوَضِّئُ بِهِ فِي الْوَقْتِ.

ص (وَرَاكِدٌ يُغْتَسَلُ فِيهِ)

ش: يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ قَوْلُهُ يُغْتَسَلُ فِيهِ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ كَمَا قَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ يُغْتَسَلُ كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ مُعَدٍّ لِلْغُسْلِ.

وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَانَ مَنْ يَغْتَسِلُ فِيهِ نَجِسُ الْأَعْضَاءِ أَوْ طَاهِرُهَا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْمُغَيِّرَ هَلْ هُوَ نَجِسٌ أَوْ طَاهِرٌ عَمِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا عَمِلَ عَلَى ظَاهِرِ أَمْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَبْحِرًا أَوْ كَالْقَصْرِيَّةِ وَنَحْوِهَا أَوْ بَيْنَ ذَلِكَ كَالْحَوْضِ وَنَحْوِهِ فَأَمَّا الْمُسْتَبْحِرُ وَالْمَاءُ الْمُعَيَّنُ كَالْغَدِيرِ الْكَبِيرِ وَالْبِرْكَةِ الْكَبِيرَةِ وَالْبِئْرِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ كَالْقَصْرِيَّةِ وَهِيَ الْمِرْكَنُ فَلَا إشْكَالَ فِي كَرَاهِيَتِهِ إنْ كَانَ الَّذِي اغْتَسَلَ فِيهِ نَجَسُ الْأَعْضَاءِ أَوْ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ يَسِيرٌ حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ أَوْ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ وَإِنْ كَانَ الَّذِي اغْتَسَلَ فِيهِ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ غَيْرُ جُنُبٍ فَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِهِ قَالَ سَنَدٌ: قَوْلُهُ لَا خَيْرَ فِيهِ عَلَى أَيْ وَجْهٍ قُدِّرَ لِأَنَّهُ إنْ اغْتَسَلَ بِنَجَاسَةٍ فَقَدْ أَفْسَدَهَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>