لِلتِّجَارَةِ أَوْ اكْتَرَى لَهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَأَطْلَقَ فِي تِلْكَ فَقَالَ: الْأَوَّلُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِفَائِدَةٍ وَيُزَكِّي ذَلِكَ الْحَوْلَ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى قَبَضَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ بِهِ وَاكْتَرَى بِهِ أَوْ زَكَّاهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ، الثَّانِي - أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَائِدَةٌ يَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ
الثَّالِثُ - غَلَّةُ مَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَائِدَةٌ وَغَلَّةُ مَا اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ لَيْسَتْ بِفَائِدَةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ أَشَدُّ الْمَذَاهِبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا اشْتَرَى لِيُبَاعَ فَيَرْبَحَ فِيهِ أَوْ اكْتَرَى لِيُكْرَى فَيَرْبَحَ فِيهِ وَمِنْ غَلَّةِ مَا اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ هَذِهِ، انْتَهَى. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَوْ اكْتَرَى "، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ " أَشَدُّ الْمَذَاهِبِ " كَأَنَّهُ اسْتَضْعَفَهُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَرِوَايَةُ ابْنِ زِيَادَةَ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الثَّمَرَةِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِالتَّوْهِيمِ هُوَ مَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ، وَنَصُّهُ: فَإِنْ وَجَبَتْ زَكَاةٌ فِي عَيْنِهَا زَكَّى الثَّمَنَ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ تَزْكِيَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَعَ هَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَلَوْ قَالَ " بَعْدَ تَزْكِيَتِهَا " لَكَانَ أَحْسَنَ، وَالْمَشْهُورُ نَقَلَهُ لِابْنِ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ لَكِنَّهُ إنَّمَا نَقَلَهُ فِيمَا إذَا اكْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ وَقَيَّدَهُ هُوَ، فَقَالَ يُرِيدُ إذَا اكْتَرَى الْأَرْضَ لِلتِّجَارَةِ وَاشْتَرَى طَعَامًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ، وَكَانَ الْأَحْسَنُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ هَذِهِ النُّسْخَةِ أَنْ تُؤَخَّرَ عَنْ قَوْلِهِ " وَلَوْ اشْتَرَى أَوْ اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهَا لِلتِّجَارَةِ "، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، انْتَهَى.
وَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا مَحِلُّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ مَنْ اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرُ بَعْدَهَا فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَغَلَّتُهُ رِبْحٌ تُزَكَّى عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الثَّمَرَةِ أَوْ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ يُزَكَّى لِحَوْلِ التَّزْكِيَةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا " وَضُمَّ الرِّبْحُ لِأَصْلِهِ " كَغَلَّةِ مُكْتَرًى لِلتِّجَارَةِ وَبِقَوْلِهِ بَعْدُ " وَإِنْ اكْتَرَى وَزَرَعَ لِلتِّجَارَةِ زَكَّى " يَعْنِي يُزَكِّي الثَّمَنَ لِحَوْلِ الْأَصْلِ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَيْنِ مَا خَرَجَ زَكَاةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ، وَإِنْ وَجَبَتْ زَكَاةٌ فِي عَيْنِهَا زَكَّى ثُمَّ زَكَّى الثَّمَنَ لِحَوْلِ التَّزْكِيَةِ فَهُوَ إنَّمَا يُرْجَعُ إلَى هَذَا الْفَرْعِ فَقَطْ وَمَنْ رَدَّهُ إلَى الْغَلَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَقَدْ حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ بَلْ عَلَى التَّخْرِيجِ فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِالثَّمَنِ اتِّفَاقًا، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي إلْحَاقِ سِلَعِ التِّجَارَةِ بِالرِّبْحِ أَوْ بِالْفَوَائِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَيْنِهَا زَكَاةٌ قَوْلَانِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَيْنِهَا زَكَاةٌ " مِمَّا لَوْ كَانَ فِي عَيْنِهَا زَكَاةٌ كَمَا لَوْ اغْتَلَّ نِصَابًا مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الْحَبِّ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ زَكَاةَ الثَّمَرَةِ اتِّفَاقًا ثُمَّ إنْ بَاعَهُ اسْتَقْبَلَ بِثَمَنِهِ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَمَا حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ يُوَافِقُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ فِيهَا كَذَلِكَ، وَنَصُّهَا: وَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا وَابْتَاعَ طَعَامًا فَزَرَعَهُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ يَوْمَ حَصَادِهِ فَإِذَا تَمَّ لَهُ عِنْدَهُ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ زَكَّاهُ قَوْمُهُ إنْ كَانَ مُدِيرًا وَلَهُ مَالٌ عَيَّنَ سِوَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدِيرًا فَلَا يُقَوِّمُهُ فَإِذَا بَاعَهُ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ أَدَّى زَكَاتَهُ زَكَّى الثَّمَنَ، وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ حَوْلِ التَّرَبُّصِ فَإِذَا تَمَّ حَوْلٌ وَالثَّمَنُ فِي يَدَيْهِ وَفِيهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ، انْتَهَى.
وَفِي الْجَوَاهِرِ وَمَنْ اكْتَرَى لِيُكْرِيَ زُكِّيَتْ أُجْرَتُهُ لِحَوْلِ أَصْلِهِ، وَغَلَّةُ مَا اشْتَرَى لِلْكِرَاءِ وَالْقِنْيَةِ فَائِدَةٌ يَسْتَقْبِلُ بِهَا الْحَوْلَ، وَكَذَلِكَ غَلَّةُ مَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، وَرُوِيَ أَنَّهَا تُزَكَّى لِحَوْلِ أَصْلِهَا، وَأَمَّا غَلَّةُ الْأَرَاضِي فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُكْتَرَاةً لِلتِّجَارَةِ وَالزَّرْعُ لِلتِّجَارَةِ زَكَّى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا إنْ كَانَ نِصَابًا، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ زَكَّى ثَمَنَهُ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ بِالثَّمَنِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ زَكَاةِ عَيْنِهِ أَوْ ثَمَنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْقِنْيَةِ اسْتَقْبَلَ بِالثَّمَنِ حَوْلًا كَانَ الْمَبِيعُ نِصَابًا أَوْ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ وَالْآخَرُ لِلْقِنْيَةِ فَذَكَرَ الْخِلَافَ الَّذِي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى أُصُولًا لِلتِّجَارَةِ فَأَثْمَرَتْ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْغَلَّاتِ فَوَائِدُ اسْتَقْبَلَ بِالثَّمَنِ حَوْلًا كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا أَمْ لَا، وَإِنْ أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ عَلَى حُكْمِ الْأُصُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute