كَأَرْضِ الْعَنْوَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْجَيْشِ فَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَالِكُهُ مُعَيَّنًا ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْمُصَالِحِينَ فَإِنَّ الْمَعْدِنَ يَكُونُ لَهُمْ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا ظَهَرَ مِنْ الْمَعَادِنِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ الْبَرْبَرِ فَالْإِمَامُ يَلِيهَا وَيَقْطَعُهَا لِمَنْ رَأَى وَيَأْخُذُ زَكَاتَهَا سَوَاءٌ ظَهَرَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا ظَهَرَ مِنْهَا فِي أَرْضِ الصُّلْحِ فَهِيَ لِأَهْلِ الصُّلْحِ دُونَ الْإِمَامِ وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْ النَّاسِ أَوْ يَأْذَنُوا لَهُمْ فِيهَا وَمَا ظَهَرَ مِنْهُ بِأَرْضِ الْعَنْوَةِ فَهِيَ إلَى الْإِمَامِ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلَّذِينَ أَخَذُوهَا عَنْوَةً، انْتَهَى. وَقَدْ لَخَّصَ الرَّجْرَاجِيُّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: الْمَعْدِنُ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ أَوْ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ أَوْ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَالْأَوَّلُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَالثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لِلْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْوَاضِحَةِ، وَالثَّانِي - أَنَّ النَّظَرَ فِيهِ لِأَهْلِ الصُّلْحِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَفِي أَرْضِهِ مَعْدِنٌ هَلْ يَسْتَمِرُّ لَهُ مِلْكُهُ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصِّ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، أَوْ يَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِلْإِمَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَالثَّالِثُ - أَعْنِي إذَا ظَهَرَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ ظَهَرَ فِي الْفَيَافِي فَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّظَرَ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَإِنْ ظَهَرَ فِي مَمْلُوكَةٍ مَحُوزَةٍ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: النَّظَرُ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: النَّظَرُ لِمَالِكِهِ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) التَّمْثِيلُ بِمَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ لِلْأَرْضِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمْ وَيُرِيدُونَ بِهِ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ الْكُفَّارُ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَعْدِنَ إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مُعَيَّنٍ فَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ لَيْسَ خَاصًّا بِمَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ كَمَا فَرَضَهُ الشَّارِحُ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ بَشِيرٍ وَاللَّخْمِيِّ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ وُجِدَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِمَالِكٍ مُعَيَّنٍ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لِلْإِمَامِ، وَالثَّانِي - لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَالثَّالِثُ - إنْ كَانَ عَيْنًا لِلْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْجَوَاهِرِ فَلِمَالِكِ الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ تَظْهَرُ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ، فَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ فِيهَا لِلْإِمَامِ يَقْطَعُهُ لِمَنْ رَآهُ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَعَادِنَ يَجْتَمِعُ إلَيْهَا شِرَارُ النَّاسِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ، انْتَهَى، بَلْ فَرْضُهُ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ بَعِيدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهَا أَنَّهَا وَقْفٌ.
(الثَّالِثُ) زَادَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ وَشَامِلِهِ فِي مَوَاضِعِ الْمَعْدِنِ مَا وُجِدَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ، وَقَالَ: حُكْمُهُ لِلْإِمَامِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ وَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْحَرْبِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهَا لِلْإِمَامِ، وَإِنْ زَالَ حُكْمُ أَهْلِهَا فَهِيَ عَنْوَةٌ أَوْ صُلْحٌ، أَوْ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ فَلَا وَجْهَ لِزِيَادَةِ هَذَا الْقِسْمِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي مَوَاضِعِ الرِّكَازِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) إذَا أَسْلَمَ أَهْلُ الصُّلْحِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: رَجَعَ أَمْرُ الْمَعَادِنِ إلَى الْإِمَامِ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَذْهَبُ سَحْنُونٍ أَنَّهَا تَبْقَى لَهُمْ، انْتَهَى، مُخْتَصَرًا. (الْخَامِسُ) لَمْ يُفْهَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ مَعْدِنِ غَيْرِ الْعَيْنِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ الْمُتَقَدِّمِ وَالْقَوْلِ الثَّالِثِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَيْنِ، وَعُلِمَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَعَلَى ذَلِكَ فُهِمَ مِنْ شُرَّاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ كَلَامُهُ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ " فَالْإِمَامُ يَلِيهَا ": ظَاهِرُهُ كَانَتْ الْمَعَادِنُ مِمَّا يُزَكَّى أَوْ مِمَّا لَا يُزَكَّى، وَقِيلَ: أَمَّا مَعَادِنُ مَا لَا يُزَكَّى فَهِيَ لِمَالِكِهَا، انْتَهَى.
وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ الْقِسْمِ الثَّانِي: مِنْ الْمَعَادِنِ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَعَادِنِ النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْقَزْدِيرِ وَالْكُحْلِ وَالزَّرْنِيخِ وَالْجَوْهَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهِيَ مِثْلُ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالسُّلْطَانُ يَقْطَعُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute