يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيهِ أَوْ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ نَفَقَةً لَا تَكْفِيهِ أَوْ لَهُ صَنْعَةٌ لَا كِفَايَةَ لَهُ فِيمَا يَحْصُلُ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَيْ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ اتِّفَاقًا وَأَنْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ تَلْزَمُ نَفَقَتُهُ مَلِيًّا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَا تَلْزَمُ وَلَكِنَّهُ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي أَنَّهُ يَلْحَقُ الْمُلْتَزِمَ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ بِمَنْ تَلْزَمُهُ فِي الْأَصْلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْتِزَامُهُ لَهَا صَرِيحًا أَوْ بِمُقْتَضَى الْحَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ قَرَابَتِهِ أَوْ لَا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ انْقَطَعَتْ النَّفَقَةُ أَوْ الْكِسْوَةُ عَنْ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ لَهُ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَلِيءُ يُجْرِيهَا عَلَيْهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ بِالْحُكْمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا مَا لَوْ كَانَ الْمَلِيءُ لَا يُمْكِنُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ أَوْ تَعَذَّرَ الْحُكْمُ، انْتَهَى. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ عَنْ السُّيُورِيِّ: مَنْ لَهُ وَلَدٌ غَنِيٌّ وَأَبَى مِنْ طَلَبِ نَفَقَتِهِ مِنْهُ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الْبُرْزُلِيُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْحُكْمِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْعَكْسِ فَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا كَانَ رَجُلٌ فَقِيرٌ وَلَهُ أَبٌ غَنِيٌّ لَا يَنَالُهُ رِفْقُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ يَنَالُهُ رِفْقُهُ فَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَنَالُهُ رِفْقُ أَحَدٍ أَوْلَى أَنْ يُؤْثَرَ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ " أَوْلَى أَنْ يُؤْثَرَ يَدُلُّ " عَلَى أَنَّهُ يُعْطَى وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " يَنَالُهُ رِفْقُهُ " يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُلْتَزِمًا لَهُ بِالْكِفَايَةِ فَلَوْ الْتَزَمَ لَهُ بِالْكِفَايَةِ لَمْ يُعْطَ.
(الثَّانِي) ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ مَنْ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيَكْسُوهُ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى ضَرُورِيَّاتٍ أُخَرَ لَا يَقُومُ لَهُ بِهَا الْمُنْفِقُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا يَسُدُّ بِهِ ضَرُورِيَّاتِهِ الشَّرْعِيَّةَ فَقَدْ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ كَافِلِ يَتِيمَةٍ تَخْدُمُهُ وَهُوَ يُطْعِمُهَا وَيَكْسُوهَا، هَلْ تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَا تَرْتَفِقُ بِهِ فِي كِسْوَتِهَا أَوْ تَتَجَمَّلُ بِهِ فِي الْعِيدِ أَوْ مَتَى تَزَوَّجَتْ؟ فَقَالَ لِلسَّائِلِ لَيْسَ عَنْ مِثْلِ هَذَا تَسْأَلُنِي مَعَ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي عِنْدَك فَلَعَلَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَوْجُودٌ عِنْدَكَ الْبُرْزُلِيُّ لَمْ يُعْطِهِ جَوَابًا وَأَحَالَهُ عَلَى مَا قَيَّدَهُ، وَاَلَّذِي سَمِعْت عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَأَظُنُّ أَنَّى قَيَّدْتُهُ مِنْهُ أَنَّهَا تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَصْلُحُهَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ النِّكَاحِ، وَالْأَمْرِ الَّذِي يَرَاهُ الْقَاضِي حَسَنًا فِي حَقِّ الْمَحْجُورِ، قَالَ: وَالصَّوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَفْرُوضَةِ أَنَّهُ إنْ قَابَلَ بِشَيْءٍ مِنْ الزَّكَاةِ خِدْمَتَهَا فَلَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ يَصُونُ بِهَا مَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَابِلْ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَخْدُمْهُ لَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا فَلَا تُعْطَى أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ غَيْرُهَا أَشَدَّ حَاجَةً مِنْهَا فَلَا يُعْطِيهَا، وَإِنْ اسْتَوَتْ الْحَاجَةُ فَغَيْرُهَا مِمَّنْ يَصْرِفُهَا فِي أَهَمِّ مِمَّا تَصْرِفُهُ هِيَ فِيهِ خَيْرٌ، وَإِنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهَا عَنْ غَيْرِهَا أُعْطِيت مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ النِّكَاحِ، انْتَهَى. وَيُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ النَّوَادِرِ فِي قَوْلِهِ " وَدَفَعَ أَكْثَرَ مِنْهُ ".
(الثَّالِثُ) يُعْطَى الْمَحْجُورُ مِنْ الزَّكَاةِ وَتُدْفَعُ لِوَلِيِّهِ وَيُدْفَعُ لَهُ الْقَدْرُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي وَقْتِهِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ فَقِيرٍ خَالَطَ عَقْلَهُ شَيْءٌ هَلْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ؟ ، وَكَذَا قَلِيلُ الصَّلَاةِ؟ فَأَجَابَ مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ سَقَطَتْ الصَّلَاةُ عَنْهُ وَيُعْطَى لِوَلِيِّهِ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي عَقْلِهِ فَيُعَادُ السُّؤَالُ عَلَيْهِ، وَقَلِيلُ الصَّلَاةِ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الْبُرْزُلِيُّ لَمْ تَجِبْ عَلَى مَنْ يَفْقِدْ عَقْلَهُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَجَوَابُهُ إنْ كَانَتْ حَالَتُهُ وَقْتَ الصَّحْوِ كَحَالَةِ الصَّحِيحِ الرَّشِيدِ فَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا يُضْرَبُ عَلَى يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَضْبِطُ مَالَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَحْجُورِ يُعْطَى الْقَلِيلُ الَّذِي يُضْطَرُّ إلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَلِوَلِيِّهِ الْكَثِيرُ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ فِي أَوْقَاتِ الضَّرُورَةِ، وَأَمَّا جَوَابُهُ فِي مُضَيِّعِ الصَّلَاةِ فَعَلَى وَجْهِ الشِّدَّةِ، وَلَوْ أَعْطَاهُ لَمَضَى انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَرَوَى الْمُغِيرَةُ لَا يُجْرِيهَا عَلَى الْأَيْتَامِ الْبُرْزُلِيُّ قَيَّدْنَا عَنْ شَيْخِنَا الْإِمَامِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُخْرِجَهَا لَهُمْ كِسْوَةً وَطَعَامًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ، وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute