للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ بِنَتْنِهِ وَصُفْرَتِهِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ الرَّأْسُ عَلَى مِخَدَّةٍ فَمِنْهُ وَإِلَّا فَمِنْ الْمَعِدَةِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ إذَا لَازَمَ شَخْصًا عُفِيَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَلَوْ أَكَلَ نَجِسًا)

ش: جَعَلَهُ الشَّارِحُ رَاجَعَا لِلْبَيْضِ وَأَشَارَ بِلَوْ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَانْظُرْ لِمَ أَشَارَ لِلْخِلَافِ فِيهِ دُونَ الْعَرَقِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَغَيْرَهُ حَكَوْا الْخِلَافَ فِيهِمَا جَمِيعًا؟ وَلَعَلَّ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْبَيْضِ أَقْوَى، وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّبَنَ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ طَاهِرًا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَالْبَيْضِ بَلْ لَبَنُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ تَابِعٌ لِلَحْمِهِ كَمَا سَيَأْتِي، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى الْخِلَافِ فِي لَبَنِ الْجَلَّالَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْضِهَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَبَنَ الْجَلَّالَةِ مُبَاحٌ، وَكَذَلِكَ النَّحْلُ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً فَعَسَلُهَا طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَهُ فِي رَسْمٍ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَسَلِ النَّجِسِ: " لَا بَأْسَ أَنْ يُعْلَفَ النَّحْلُ " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْحَيُّ إلَى آخِرِهِ إذْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الضَّحَايَا لَا اخْتِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ أَكْلَ لُحُومِ الْمَاشِيَةِ وَالطَّيْرِ الَّذِي يَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَةِ حَلَالٌ جَائِزٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَعْرَاقِ وَالْأَلْبَانِ وَالْأَبْوَالِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ فِي الطَّيْرِ تُصَادُ بِالْخَمْرِ تَشْرَبُهُ فَتَسْكَرُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كِتَابِ الضَّحَايَا فِي جَدْيٍ رَضَعَ خِنْزِيرَةً: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُذْبَحَ حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِي جَوْفِهِ مِنْ غِذَائِهِ وَلَوْ ذُبِحَ مَكَانَهُ فَأُكِلَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ تَأْكُلُ الْجِيَفَ وَتُذْبَحُ مَكَانَهَا وَأَكْلُهَا حَلَالٌ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ نَافِعٍ لَكِنْ حَكَى اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَنَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْحَيَوَانِ يُصِيبُ النَّجَاسَةَ هَلْ تَنْقُلُهُ عَنْ حُكْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ تِلْكَ النَّجَاسَةَ؟ فَقِيلَ: هُوَ عَلَى حُكْمِهِ فِي الْأَصْلِ فِي أَسْآرِهَا وَأَعْرَاقِهَا وَأَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، وَقِيلَ: يَنْقُلُهَا وَجَمِيعُ ذَلِكَ نَجِسٌ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي عَرَقِ السَّكْرَانِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى تَذْهَبَ مَنْفَعَةُ مَا تَغَذَّى بِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَخَرَّجَ عَلَى نَجَاسَةِ لَبَنِ الْمَيْتَةِ نَجَاسَةَ لَبَنِ الشَّاةِ تَشْرَبُ مَاءً نَجِسًا، وَبَحَثَ مَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا التَّخْرِيجِ فَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي وُجُودَ الْخِلَافِ فِي نَجَاسَةِ الْحَيِّ إذَا أَكَلَ النَّجَاسَةَ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ فِي اللُّحُومِ وَإِذَا جَعَلْتُمْ قَوْلَهُ وَلَوْ أَكَلَ نَجِسًا رَاجِعًا إلَى الْحَيِّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ اقْتَضَى وُجُودَ الْخِلَافِ فِي الْحَيِّ نَفْسِهِ فَالْجَوَابُ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ بِنَجَاسَةِ اللَّحْمِ إنَّ الْحَيَّ نَفْسَهُ نَجِسٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ الشَّارِبَ لِلْخَمْرِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ مُدَّةَ مَا يُرَى بَقَاؤُهُ فِي بَطْنِهِ، وَأَمَّا الْعَرَقُ وَالْبَيْضُ وَكَذَا اللَّبَنُ فَالْخِلَافُ فِيهَا مَعْرُوفٌ بِالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَالْكَرَاهَةِ حَتَّى مِنْ الْآدَمِيِّ وَالشَّارِبَ الْخَمْرِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ الطَّهَارَةُ، قَالَ وَالْخِلَافُ فِي عَرَقِ السَّكْرَانِ فِي حَالِ سُكْرِهِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ صَحْوِهِ، وَأَمَّا لَوْ طَالَ عَهْدُهُ فَلَا خِلَافَ فِي طَهَارَتِهِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ بِأَنَّهُ إذَا عَرِقَ وَتَخَلَّلَ الْعَرَقُ الْأَوَّلُ النَّجَسَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اغْتَسَلَ وَغَسَلَ الثَّوْبَ الَّذِي عَرِقَ فِيهِ.

(قُلْتُ:) وَهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الْعَرَقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَنَجَاسَتُهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَمْرٍ عَارِضٍ، وَأَمَّا اللُّعَابُ وَالْمُخَاطُ وَالدَّمْعُ فَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَى فِيهَا خِلَافًا صَرِيحًا بَلْ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَأَمَّا الْعَرَقُ مِنْ الْحَيِّ فَنُقِلَ فِيهِ الِاتِّفَاقُ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ سَكْرَانُ مِنْ غَيْرِهِ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ: وَأَمَّا الْحَيَوَانَاتُ فَمَا دَامَتْ مُسْتَصْحَبَةً لِلْحَيَاةِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَعْرَاقَهَا وَأَسْآرَهَا وَمَا يَخْرُجُ مِنْ أُنُوفِهَا إذَا لَمْ تَسْتَعْمِلْ نَجَاسَةً فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهَا إذَا اسْتَعْمَلَتْ النَّجَاسَةَ نَجُسَ مَا يَخْرُجُ مِنْ أُنُوفِهَا فَأَحْرَى لُعَابُهَا، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ " وَاللُّعَابُ وَالْمُخَاطُ مِنْ الْحَيِّ طَاهِرٌ ": كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ: مَا لَمْ يَكُنْ الْحَيَوَانُ مِمَّا يَسْتَعْمِلُ النَّجَاسَةَ انْتَهَى. فَهَذَا مُقْتَضَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُسْتَعْمِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>