الإنسان أو المجتمع أو المؤثرات المادية كقانون التطور المادي أو قانون الجدل المادي الاقتصادي، فيكون مصدر الظواهر أرضيًّا ويُستبعد المصدر السماوي (١).
وفرق بين نسبة الأمور العملية للشرع وبين نسبتها لميدان الظواهر الاجتماعية الدنيوية، فشتان بين أن يكون ربانيًا وبين أن يكون أرضيًا، فالرباني يحقق إنسانية الإنسان أما الأرضي فرغم دعوى الإنسانية فيه، إلا أنه يدسّها ويُفسدها ويطمر حقيقتها المفطورة عليها، قال -تعالى-: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)} [الشمس: ٧ - ١٠]. والشرع قائم على تزكية النفوس والمجتمعات والبشرية كلها بتحقيق مقاصده العليا فيها، ويقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد، على مستوى الإنسان وعلى مستوى الجماعة، ومعرفة المصالح والمفاسد ترتبط بالعلم والحكمة والعدل والقسط والرحمة وما في بابها، وهذه لا يمكن أن يكون مصدرها البشر، ولذا يذكر عادة في آيات الشريعة علم الله وحكمته وإرادة اليسر وقيامه على الحق والعدل والميزان والرحمة.
فالشريعة ربانية، وهي تُوصف بما وصُف به كتابها أيضًا، فما اختص به من خصائص يشمل كل موضوعاته، وجاءت من العليم، الحكيم، الحق، العدل، الذي وضع الميزان وأمر بالقسط، وحرم على نفسه الظلم، الرحيم، الذي يريد لنا اليسر بشرعه ولا يريد بنا العسر، وأفضل شيء حول معرفة خصائص شرعه وشريعته أن نأخذها من مصدرها، وأن نعرفها كما عرّفنا بها ذلك المصدر الرباني، وهنا بعض الآيات البينات التي تكشف لنا شيئًا من خصائص الشريعة الربانية:
فأهم شيء حولها أنها من عند الله، والأمر كله لله، قال -تعالى-: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)} [المائدة: ٥٠].
قال ابن كثير: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم. . . . {وَمَنْ أَحْسَنُ}. . . . أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عَقل
(١) سيأتي له حديث آخر في المبحث الثالث من الفصل الثاني من الباب الثالث.