مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)} [البقرة: ١٨٥]، حيث ختمها بأنه يريد لنا اليسر ولا يريد العسر.
وفي الصلاة والخير والجهاد قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)} [الحج: ٧٧ - ٧٨]، حيث ذكر ربنا تعالى بعدم جعل الحرج في هذا الدين.
نكتفي بهذا النموذج الذي يكشف لنا خصائص هذه الشريعة ومصدرها، ومن أهم ما تنبهنا له الآيات: الربانية، وهي أعظم الخصائص، فهي من العليم الحكيم الرحيم سبحانه، ولهذا يكون شرع الله مناسبًا لكل حال ولكل زمان ولكل أحد؛ لأنه جاء من العليم الحكيم، ويكون فيه من الثبات والشمول والكمال ما يجعل الحياة مستقرة باستنادها على ركن ثابت، ويجعلها متوافقة باستنادها إلى هذا الشمول، ويجعلها غنية عن الزيادة والتلفيق والتصحيح لكمالها، وهذا الثبات والشمول والكمال لا يكون إلا من شريعة ذات مصدر رباني. كما أن الشريعة مع هذه الإحاطة والشمول يكون فيها اليسر والرفق والرحمة ويكون فيها العدل والوسط والتوازن، ولهذا جاء التنبيه عقب مواطن من الأحكام بـ {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، فما كان بالحال السابقة فهو أحق بالشكر. وفي ربانية الشريعة بركة للشريعة يجدها الناس في حياتهم، كما أنها تكون أكثر قبولًا من الناس وتجدهم أكثر رضًا بها، وتكون بعيدة عن الهوى، فما كان من البشر لابد أن يخضع لهوى فرد أو طائفة، وقد تنجح هذه الطائفة في فرض حكمها بالقوة أو بالترغيب أو بالخداع، وكلما جاءت أمة غيرت بما يناسب هوى الأقوى، بخلاف شرع الله، فقد نزل بالحق والميزان، وجاء كل حكم فيها بتعليل تقره العقول السليمة، قال ابن القيم: "وقد جاء التعليل في الكتاب العزيز بالباء تارة، وباللام تارة، وبأن تارة، وبمجموعهما تارة، وبكي تارة، ومن أجل تارة، وترتيب الجزاء على الشرط تارة، وبالفاء المؤذنة بالسببية تارة، وترتيب الحكم على الوصف المقتضي