للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له تارة، وبلما تارة، وبأن المشددة تارة، وبلعل تارة، وبالمفعول له تارة" (١). ومن تأمل في كل تعليل وجد فيه كمال هذه الشريعة واستجابتها لحاجة الإنسان وقدرتها على مسايرة حياته في كل زمان ومكان.

ولاستحالة قدرة الإنسان على التشريع المناسب لحياته، جاء التصور الإِسلامي واضحًا في هذا الباب، ويجب أن يعترف الإنسان بأنه لا يستطيع أن يكتشف قانون الحياة بنفسه، {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (١١٦)} [النحل: ١١٦] (٢).

وإذا كان مستند المتغربين هو العلم الحديث، فقد أثبتت الاكتشافات العلمية ذاتها "أن الإنسان لا يستطيع اكتشاف قوانين حياته بنفسه. لقد اتضح الآن أن الوسائل المتاحة للإنسان لا تعطينا أي تفاصيل جزئية عن الحقائق. والجانب الأهم في هذا كله هو أن الأشياء التي لا نطلع عليها هي أهم بكثير من التي نطلع عليها" (٣)، وقد ظهرت صعوبات بالغة للعلم المادي أمام عنصر واحد من عناصر الطبيعة وهو الراديوم، "وهذا الشيء الذي عرفناه عن العالم المادي ذو أهمية بالغة لقضية القانون البشري؛ لأن الإنسان أكثر تعقيدًا من قطعة الراديوم التي لم يتمكنوا من معرفة قانونها"، وهو عنصر واحد محدود "فكيف يمكن الادعاء بإمكان التوصل إلى قانون الحياة البشرية عن طريق جهود بشرية؟ لقد كشف العلم أن الوجود الإنساني أعقد بكثير مما كان الناس يظنونه في الأزمنة الغابرة، فالحقيقة أن للإنسان علاقة بالكون كله، فهو موضع دراسة علوم كثيرة ابتداء من علم الخلية والنفس والاقتصاد إلى علم الفلك، وبكلمة أخرى: لابد من معرفة الكون كله لأجل معرفة الإنسان. ولكن بحوثنا العلمية تخبرنا بأن البشر يعانون من بعض العجز والحدود التي لابد منها والتي تحول بكل قطعية دون


(١) إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن قيم الجوزية ١/ ١٩٧، وقد ذكر بعدها الآيات على كل نوع، ثم أعقبها بفصل عن ذلك في السنة النبوية.
(٢) انظر كلام: "وحيد الدين خان" ضمن كتاب وجوب تطبيق الشريعة الإِسلامية والشبهات التي تثار حول تطبيقها ص ٣٠٢.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>