للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رؤيتنا الكاملة والواسعة للحقائق" (١).

وكما سبق فإن ربانية الشريعة كما تعني الإحاطة والشمول والكمال تعني أيضًا اليسر والرفق والرحمة ويكون فيها العدل والوسط والتوازن، ولذا فيها الثابت وفيها المتغير، وهذا من مرونة الشريعة واستجابتها للمتغير في حياة البشر، وبهذا تحقق الشريعة مصالح العباد بما تحويه من مقاصد لا يستطيع البشر لوحدهم إدراكها ولا يمكنهم ذلك.

قال ابن القيم: "فصل في تغيير الفتوى، واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد. بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد. هذا فصل عظيم النفع جدًا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى البعث؛ فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - أتم دلالة وأصدقها،. . . . وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها" (٢).

وقد جاءت تكاليف الشريعة بحفظ مقاصدها في الخلق "وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام: أحدها أن تكون ضرورية، والثاني: أن تكون حاجية، والثالث: أن تكون تحسينية" (٣)، "ومجموع الضروريات خمسة وهي: حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل" (٤)، ويعيب أي تشريع بشري انتباهه لجانب من المصالح والمفاسد وغفلته أو تغافله عن جانب؛ ولذا نجد عادة في كل قضية


(١) انظر: المرجع السابق، وحيد خان ص ٣٠٥.
(٢) إعلام الموقعين عن رب العالمين ٣/ ٣.
(٣) الموافقات، الشاطبي ٢/ ٧.
(٤) المرجع السابق ٢/ ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>