للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آراء متعارضة، بخلاف ما جاء البشر من العليم الحكيم سبحانه؛ فإنه لا يدخله النقص ولا التناقض، ويحقق المصالح دون إفراط أو تفريط. أما الأخذ بجانب دون جانب فمآله إلى الانحراف، فالتوازن كما هو في خلق الله وسننه الكونية هو كذلك في أمره وشرعه، وأي إخلال بهذه المعادلة الكونية والشرعية يقع الفساد في الأرض، قال -تعالى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١)} [الروم: ٤١].

قال أبو حامد الغزالي: "أما المصلحة فهي عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة، ولسنا نعني به ذلك، فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة. . . . وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات، فهي أقوى المراتب في المصالح" (١).

قال القرضاوي: "من الحقائق المسلمة أن الشريعة الإِسلامية قد وسعت العالم الإِسلامي كله، على تنائي أطرافه، وتعدد أجناسه، وتنوع بيئاته الحضارية، وتجدد مشكلاته الزمنية. . . . وأنها -بمصادرها ونصوصها وقواعدها- لم تقف يومًا من الأيام مكتوفة اليدين، أو مغلولة الرجلين، أمام وقائع الحياة المتغيرة، منذ عهد الصحابة فمن بعدهم .. وأنها ظلت القانون المقدس المعمول به في بلاد الإِسلام حوالي ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، إلى أن جاء عهد الاستعمار الغربي الذي استبدل بها تشريعاته الوضعية، فأحل بها ما حرم الله، وأبطل بها ما فرض الله.

وإنما استطاعت الشريعة الإِسلامية أن تفي بحاجات كل المجتمعات التي حكمتها، وأن تعالج كافة المشكلات في كافة البيئات التي حلت بها، بأعدل الحلول وأصلحها؛ لأنها -بجوار ما اشتملت عليه من متانة الأصول التي قامت على مخاطبة العقل، والسمو بالفطرة، ومراعاة الواقع، والموازنة بين الحقوق


(١) المستصفى، الغزالي ٢/ ٤٨١ - ٤٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>