للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكوينات اجتماعية بشرية معزولة عن العالم، وتعيش في دائرتها الخاصة، لها نظامها الديني والاجتماعي والعملي والقيمي، ومما درسوه بعناية أحوالها الدينية، وجعلوا هذا الجانب صورة عن بدايات الدين وتشكيلاته العملية، فإننا لو عدنا للماضي وإلى بدايات الإنسان الأولى فلن نجد بحسب زعمهم أفضل من هذه الصورة التي بين أيدينا لتمثيلها، ويجعلونها نقطة البداية لنشوء الشرائع، باعتبار أن النظام الاجتماعي لهذه النماذج هو الصورة الأولى لكل أمور الإنسان العملية، ومنه انطلقت عملية تطور بطيئة ومعقدة حتى وصلت الحال إلى ما هي عليه من شرائع وأخلاق وقيم وأنظمة ترتبط بالدين (١)، وتجد الاجتماعيين بمختلف مدارسهم عند دراسة أصل أي ظاهرة يعودون لمثل هذا النموذج باعتباره النواة الأولى البسيطة كحال أول خلية بسيطة وجدت في الأرض ثم تطورت حتى وصلت لقمتها في الإنسان، ومثل ذلك كل ظواهر حياة الإنسان المختلفة.

لقد تعززت هذه الرؤية الجديدة مع ظهور نظرية داروين التطورية، ولاسيّما مع توسيعها لمجال الدراسات الاجتماعية والإنسانية، وأصبح مفهوم التطور عنصرًا مهمًا لأي دراسة علمية (٢). وقد يجد هؤلاء الباحثون في تاريخ البشرية ما يغريهم بتعميم مفهوم التطور على باب الشرائع والقيم وغيرها، فإن صورَهُ بارزةٌ في الجوانب الدنيوية، من حالة بسيطة وساذجة إلى أمور عجيبة ومدهشة، وذلك عبر مئات السنين، فيُلحقون الدين بذلك، ولاسيّما أنه يوجد نوع من الدين يسير مع هذه الفرضية، وهو الدين المبتدع، فالدين من الوجهة الإِسلامية ضرورة فطرية، ولا يعيش مجتمع دون دين، ولكن يقع الانحراف عن عبادة الله إلى عبادة غير الله، أو من عبادة الله على طريقة الأنبياء إلى عبادته ببدع من اختراع البشر، وقد يظهر في الدين المبتدع مثل هذا التطور، بل إن الباحث في الفرق الدينية المختلفة يجد مثل هذه التطورات قد لحقت بها عبر الزمن، حيث تبدأ البدعة بأصل واحد وساذج ودون أن تملك أدلة وحججًا، ثم تتلبس بأحوال تتطور


(١) قارن بالموسوعة الفلسفية العربية، الاصطلاحات والمفاهيم، مادة (تطور) ص ٢٧١.
(٢) سبق ذكر الكثير عن ذلك في الباب الأول، وسيكون له مزيد دراسة في المبحث الأول، من الفصل الثاني، من الباب الثالث، وانظر: أفي الله شك؟ د. حمد المرزوقي ص ٩٧ - ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>