للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلالها لتصل إلى درجة في غاية التعقيد وفي غاية التنوع والتكثر.

ومع غياب منهج التفريق بين المختلفات، ولاسيّما مع فقد ميزان الحق والعدل -الوحي- ومع إغراء القفز لتعميمات غير سليمة بسبب بعض المشتبهات؛ جعلوا الدين الحق -عقيدة وشريعة- مثل غيره، وألحقوه بسلم التطور، بعد تحويله لظاهرة اجتماعية تكتسب صفات أي ظاهرة بخصائصها وقت سكونها ووقت تحولها.

ويعارض التصور الإِسلامي هذا التعميم، ففي التصور الإِسلامي هناك الدين الحق -عقيدة وشريعة- الذي يتسم بالثبات والكمال والمثالية مع ما فيه من يسر ومرونة لجانب المتغيرات من حياة البشر (١)، فقد بعث الله أنبياءَه ورسله بالدين منذ أن وجد البشر على هذه الأرض، ثابت في أصوله ويقع التغير في شرائع الأنبياء، حتى جاء كمالها بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فيكون كمال الدين بالعودة إلى تلك الصورة التي حققها الرسول، ويكون النقص والتغير والفساد بكل صورة من صور الابتعاد عنها بالتحريف أو الهجر أو التكذيب. وكما أن في الطبيعة من عناصر الثبات التي لم تتغير كل هذه القرون؛ فكذلك دين الله سبحانه هو ثابت في حقيقته كل هذه القرون، فهما من عند الله، الطبيعة من خلقه والدين من أمره وإخباره، ويتغير ما ابتدعه الناس، أما الدين الحق فلا تَغيُّر فيه، قال -تعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)} [المائدة: ٤٨ - ٥٠].

قال ابن كثير حول قوله -تعالى-: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}: "ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان، باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من


(١) انظر: التطور والثبات في حياة البشر، محمَّد قطب، وانظر: الثوابت والمتغيرات. . . .، صلاح الصاوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>