أرض المسلمين من هذه الأيديولوجيات والمذاهب. وامتنعوا في المقابل -أو تكاسلوا- عن النافع والمفيد من العلوم الحديثة، وإنك لتجد لبعض المسلمين من المبتعثين للغرب ممن لا ينتسب لتيارات فكرية تغريبية جهدًا في نقل العلوم المفيدة أفضل مما لهؤلاء المحسوبين على الفكر والثقافة من المتغربين. فإذا كان الغرب -في بدايات نهضته- قد استفاد من علوم المسلمين؛ إلا أنه أخذ الفائدة الجزئية وترك الكلية، أخذ بعلوم المسلمين التي تنفع للدنيا وترك الإسلام الذي به سعادة الدنيا والآخرة، فما بال المتغربين لا ينقلون النفع الجزئي، بل نراهم ينقلون ما يفسد على المسلمين إسلامهم، والله سبحانه قد أنعم علينا بالإسلام ورضيه لنا دينًا، وما ينقله المتغربون هو في الغالب مما يتعارض مع الإسلام ويدخل الشبهات في قلوب المسلمين. وهم رغم معرفتهم بلغات أجنبية وعيش أكثرهم زمنًا في البلاد الغربية لم يقدموا شيئًا في باب العلوم النافعة إلا ما ندر، والناظر في المكتبة التغريبية لا يكاد يجد كتابًا نقل ما ينفع المسلمين، بينما يغلب على كل واحد أنه قد وجّه جُلّ نشاطه للتعريف بمذهب أو تيار أو شخص في الغرب، والأمة الإسلامية لن تنسى قُبح عملهم بعد أن نذروا جلّ وقتهم لنقل الأيديولوجيات الغربية التي لا حاجة لنا بها، بل إن أهلها يتركونها الآن، وفي ديننا غنى عنها، وفي المقابل تركوا ما يفيد المسلمين وما حثّ عليه إسلامنا من العلوم النافعة لحياة الناس الدنيوية.
والآن لنغمض العين على حرقة في القلب عندما حُرمت أوروبا من التعرف الصحيح على الإسلام بسبب تلك الحملة الصليبية من القادة السياسيين والدينيين، ومن أثر الجيل التغريبي العربي المشين في عصر المسلمين الحديث، ولنعد إلى سياق الثورة العلمية لنفتح العين مرّة أخرى على الأثر المهم الذي أثّرت به علوم المسلمين على تلك الثورة عندما نُقلت إليهم، وقد كانت سعادتهم أكبر لو نقل إليهم الإسلام مع علوم المسلمين.
وسأكتفي في هذه الفقرة بذكر ملخص صغير عن دور المنقول من علوم المسلمين في إحياء الحركة العلمية في أوروبا وقيادتها نحو الثورة العلمية، معتمدًا في هذا الملخص على كتابين متشابهين في مادتهما حول أثر علوم المسلمين في نهضة أوروبا العلمية وهما:"تاريخ الفلسفة والعلم في أوروبا الوسيطة"، والمجلد الأول من "تاريخ العلوم العام: العلم القديم والوسيط. من